فصل: 412 سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين الشيخ الحافظ الزاهد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


385 الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم بن أحمد

الأستاذ أبو علي الدقاق

شيخ الأستاذ أبي القاسم القشيري

تفقه على الخضري والقفال

وصحب في التصوف أبا القاسم النصراباذي

وسمع الحديث من أبي عمرو بن حمدان وأبي الهيثم محمد بن مكي الكشميهني وأبي علي محمد بن عمر الشبويى وغيرهم

روى عنه القشيري وغيره

قال عبد الغافر هو لسان وقته وإمام عصره نيسابوري الأصل تعلم العربية وحصل علم الأصول وخرج إلى مرو وتفقه بها على الخضري وبرع في الفقه وأعاد على الشيخ أبي بكر القفال المروزي في درس الخضري

ولما استمع ما يحتاج إليه من العلوم أخذ في العمل وسلك طريق التصوف وصحب الأستاذ أبا القاسم النصراباذي

وكان الأستاذ أبو علي لا يستند إلى شيء كأنه يعود نفسه ترك الرفاهية

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري كنت في ابتداء وصلتي بالأستاذ أبي علي عقد لي المجلس في مسجد المطرز فاستأذنته وقت الخروج إلى نسا فأذن لي فكنت أمشي معه يوما في طريق مجلسه فخطر ببالي ليته ينوب عني في الأسبوع يومين بل ليته يقتصر على يوم واحد في الأسبوع

فالتفت إلي وقال إن لم يمكني في الأسبوع يومين أنوب مرة واحدة

فمشيت قليلا فخطر لي شيء ثالث فالتفت إلي وصرح بالإخبار عنه على القطع

توفي في ذي الحجة سنة خمس وأربعمائة ووهم من قال سنة ست

ومن كلامه

أنبأنا الحافظ أبو العباس بن المظفر بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أخبرنا الإمام شهاب الدين أبو بكر القاسم بن الإمام أبي سعد عبد الله بن عمر بن الصفار إجازة أخبرنا جدي عصام الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور بن الصفار سماعا عليه قال سمعت جدي ابن الفارسي يقول سمعت أبا القاسم القشيري يقول سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول من استهان بأدب من آداب الإسلام عوقب بحرمان السنة ومن ترك سنة عوقب بحرمان الفريضة ومن استهان بالفرائض قيض الله له مبتدعا يذكر عنده باطلا فيوقع في قلبه شبهة

قال أبو علي فيما روي من قوله ‏(‏ من أكرم غنيا لغناه ذهب ثلثا دينه ‏)‏ إنما ذلك لأن المرأ بقلبه ولسانه ونفسه فإذا تواضع لغني بلسانه ونفسه ذهب ثلثا دينه فإن اعتقد فضله بقلبه كما تواضع له بلسانه ونفسه ذهب دينه كله

وقال تكلم الناس في الفقر والغنى أيهما أفضل وعندي الأفضل أي يعطى الرجل كفايته ثم يصان فيه

386 الحسن بن محمد بن العباس القاضي الإمام الجليل أبو علي الزجاجي

أحد أئمة الأصحاب

لم أجد له ترجمة تشفي الغليل

وقد طان أجل او من أجل تلامذة أبي العباس ابن القاص ومن أجل مشايخ القاضي أبي الطيب الطبري

قال الشيخ أبو إسحاق له كتاب زيادة المفتاح وعنه أخذ فقهاء آمل

قلت وله أيضا كتاب في الدور علقه عن ابن القاص

قلت وأراه توفي في حد الأربعائة إما قبلها وإما بعدها ولعل الأشبه أن يكون قبل الأربعائة ولذلك ذكرناه في الثالثة ثم أعدنا ذكره هنا استظهارا

وقد وقع لنا حديثه لأن روى عن شيخه ابن القاص جزءا في الكلام على حديث أبي عمر

ومن الفوائد والغرائب عنه رحمه الله تعالى

قال في مسائل الدولا أصل هذه المسائل كلها قوله تعالى ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا‏}‏ فعير من نقض شيئا بعد إثباته له فدل أن كل ما أدى إثباته إلى نقضه باطل

إذا قاسم الوصي الورثة وأخذ الثلث الموصى به لغير معينين فتلف في يده قال أبو علي الزجاجي ليست هذه القسمة إلى الوصي كما ليس إليه القسمة في حق الغائب ويؤتمن في ولايته فإذا تلف المال فإن كان بغير تعديه فتصير القسمة كأن لم تكن فيخرج الثلث ثانيا

وقال أبو علي الثقفي صحت القسمة وبطلت الوصية

نقله القاضي أبو سعد في الإشراف والقاضي شريح في أدب القضاء

ورجح أبو سعد قول الثقفي وقال هو كزكاة واحد دفعها إلى العامل فتلفت في يده من غير تفريط

387 الحسن بن محمد بن الحسن أبو علي الساوي

الفقيه المتكلم على مذهب الأشعري

حدث بدمشق عن أبي طالب بن غيلان وأبي ذر الهروي وغيرهما

روى عنه نصر المقدسي وهو من أقرانه وغيره

توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة عن ست وسبعين سنة

388 الحسين بن أحمد بن علي أبو عبد الله بن البقال

تفقه على القاضي أبي الطيب

قال ابن النجار وكانت له مقامات سنية في النظر والجدال وكان فقيها فاضلا بارعا كاملا مدققا حسن النظر محققا جميل الطريقة زاهدا متعبدا عفيفا نزها على طريقة السلف

ولي القضاء بحريم دار الخلافة عن أبي عبد الله الدامغاني

مولده سنة إحدى وأربعمائة ومات في الحادي والعشرين من شعبان سنة سبع وسبعين وأربعمائة

389 الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم باللام الشيخ الإمام أبو عبد الله الحليمي

أحد أئمة الدهر وشيخ الشافعيين بما وراء النهر

قال فيه الحاكم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن أبي محمد أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم بعد أستاذيه أبي بكر القفال وأبي بكر الأودني

قدم نيسابور سنة سبع وسبعين حاجا فحدث وخرجت له الفوائد ثم قدمها سنة خمس وثمانين رسولا من السلطان فعقدنا له الإملاء وحدث مدة مقامه بنيسابور

وروى عنه الحاكم وعن أخيه أبي الفضل الحسن بن أبي محمد الحسن الحليمي وفي ترجمة الشيخ أبي عبد الله ثم قال توفي الحاكم العالم أبو عبد الله الحليمي في سنة ثلاث وأربعمائة

قلت ومولده سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وكذلك مولد أخيه أبي الفضل الحسن ولدا في سنة واحدة ببخارى كذا ضكره الحاكم في ترجمة أبي الفضل

قال وأبو عبد الله من حرة جرجانية وأبو الفضل من جارية تركية

قال وأبو عبد الله حدث وقضى في بلاد خراسان

قلت وروى عنه أبو سعد الكنجروذي ذلك وقد وقع لنا حديثه من طريقه

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا أحمد بن هبة الله بن عساكر بقراءتي عليه أجازنا أبو روح أخبرنا زاهر بن طاهر أخبرنا الإمام أبو سعد محمد ابن عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الشيخ الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد الحليمي أخبرنا أبو بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي حدثنا أحيد بن الحسين أخبرنا مقاتل بن إبراهيم حدثنا نوح بن أبي مريم عن يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله ‏(‏ لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه ‏)‏

تفرد به نوح بن أبي مريم وهو نوح بن يزيد قاضي مرو الجامع أبو عصمة

روى الترمذي قال أبو عبد الله الحاكم وضع نوح الجامع حديث فضائل القرآن الطويل وروى عن الزهري وعدة

وقال فيه البخاري منكر الحديث

قلت وقد نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه

ومن مصنفات الحليمي كتاب المنهاج في شعب الإيمان وهو من أحسن الكتب وفيه ما نصه وشرب الخمر من الكبائر فإن استكثر الشارب منه حتى سكر أو جاهر به فذاك من الفواحش فإن مزج خمرا بمثلها من الماء فذهبت شرتها وشربها فذاك من الصغائر

انتهى

والغرابة في قوله مزج فداك من الصغائر

ولعله أراد مزجا يصير المجموع به غير مسكر أما إذا مزج بالماء قدرا من الخمر لا يخرجه الماء بالمزج عن كونه مسكرا فلا يظهر إلا أنه من الكبائر جزما

وقال فيه أيضا قذف المحصنات كبيرة فإن كانت المقذوفة أما أو أختا أو امرأة قانتة كان فاحشة وقذف الصغيرة والمملوكة والحرة المتهتكة من الصغائر

وقال أيضا أما الخدشة أو الضربة بالعصا مرة أو مرتين فمن الصغائر

قال الإصحاب إذا اشترك جماعة في قتل واحد إن دم كل واحد منهم مستحق للولي

وقال الحليمي القصاص مفضوض عليهم فإذا قتل عشرة واحدا فالمستحق للولي العشر من دم كل واحد إلا أنه لا يمكن استيفاؤه إلا باستيفاء الباقي وقد يستوفى من المتعدي غير المستحق إذا لم يمكن استيفاء المستحق إلا به كما إذا أدخل الغاصب المغصوب في بيت ضيق واحتيح في رده إلى قلع الباب وهدم الجدار وكما إذا وقع دينار في محبرة ولا يمكن إخراجه إلا بكسرها فإنها تكسر ولذلك نظائر كثيرة

وتظهر فائدة الخلاف بين الحليمي والجمهور في مسائل

منها ل اشتركوا في موضحة واحدة فهل يقتص من كل واحد بقدر جميع ما أوضحه أو توزع عليهم ويوضح من كل بقسطه وفيه احتمالان للإمام وبالأول منهما قطع في التهذيب وهو يوافق قول الجمهور بخلاف الثاني

ومنها لو اشتركوا في قتل خطأ فإن قلنا بقول الجمهور ضرب على عاقلة كل واحد ما يخصه في ثلاث سنين لأنه بدل النفس فأشبه بدل النفس الناقصة وإن قلنا بقول الحليمي ضرب ما يخص كل واحد في سنة كأرش الطرف

ومنها إذا اشتركوا في قتل خطأ فهل يجب على كل واحد كفارة أو على الكل كفارة واحدة فيه قولان أولهما يوافق قول الجمهور والثاني قول الحليمي

وقد عورض الحليمي في مقالته بوجوه ثلاثة الأول قال الإمام إن استدلاله بالدية يبطل بقتل الرجل المرأة فإنه يقتل بها وإذا آل الأمر إلى الدية لم يجب إلا نصفها

وأجاب عنه ابن الرفعة بأن نفس المرأة جعلها الشرع مضمونة بقصاص أو دية في نصف دية الرجل فمن انفرد بإتلافها ضمن كل البدل والرجل إذا قتلها ينفرد بالإتلاف بخلاف ما نحن فيه فإنه إنما أتلف العشر فوجب أن لا يضمن إلا نصف المقدر من القصاص كما لا يضمن إلا عشر المقدر من المال

والثاني قال الإمام قوله إن الزائد يستوفى تبعا باطل كما لو قطع شخص يدا من نصف الساعد فإنه لا يجري القصاص فيه خوفا من استيفاء زيادة على الجناية بجزء يسير فكيف يرمق تسعة أعشار الدم من غير استحقاق لاستيفاء عشر واحد وأجاب عنه ابن الرفعة بأن القياس المنع ولكن وجب حسم مادة إهدار النفوس وذلك مفقود في قطع نصف الساعد لأن القصاص مشروع والحالة هذه في الكف وبه تحصل صيانة العضو عن الإهدار وعصمته

قال في المطلب وهذا الجواب لا محيص عنه

والثالث ذكره ابن الرفعة في الكفاية وهو أن الحليمي ناقض أصله إذ قال فيما إذا قتل واحد جماعة وتمالأ على القاتل أولياء القتيل فقلتوه جميعا إنه يكتفى به عن جميعهم ولا رجوع إلى الدية محتحا له بأنه في المسألة المتقدمة التي هي عكس هذه يجعل كل واحد كالمنفرد بالقتل فلما جعل كالمنفرد في الاعتداء فكذلك في الاستيفاء فيقال للحليمي أنت لم تجعل كل واحد في تلك كالمنفرد بل صاحب عشر

قلت لعل الحليمي لم يبن هنا كلامه على مقالته بل على مقالة الأصحاب وإن بنى على أصله فقد يقول كما نزل الشارع من اعتدى على عشر دم منزلة المعتدى على كله في وجوب القصاص كذلك ينزل من استوفى مع آخر منزلة المنفرد بالاستيفاء

ومن مسائل الحليمي

أنه يستحب الغسل لكل ليلة من رمضان

وأن القيء إذا خرج غير متغير فهو طاهر كالإنفحة وكذلك في التتمة

والمجزوم به في الرافعي والروضة أن القيء نجس من غير تفصيل

وأن الإنسان إذا خرج منه ريح فإن كانت ثيابه رطبة تنجست وإن كانت يابسة فلا

وكذا قال القاضي لو أصاب دخان النجاسة ثوبا فإن كان رطبا نجسه وإن كان يابسا فوجهان

ولو دخل الإصطبل وراثت الدواب وخرج منها دخان فإن أصاب ثوبا رطبا نجسه أو يابسا فوجهان

ومن غرائب الحليمي أيضا

قوله إنا إذا قلنا بإباحة الدف فلا يجوز تعاطيه إلا للنساء

والجمهور لم يفرقوا بين الرجال والنساء

قال الشيخ الإمام الوالد رحمه الله وفرق الحليمي ضعيف

وقال في المنهاج في باب الحث على ترك الحسد إن تمني الكفر لا يكون كفرا إلا إذا كان على وجه الاستحسان له واستدل بدعاء موسى عليه الصلاة والسلام على فرعون وقومه حيث قال ‏{‏رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ‏}

قال فاستقباح الإنسان الكفر هو الذي يحمله أن يدعو به على عدوه أو يتمناه له واستحسانه الإسلام هو الذي يحمله على أن يكرهه له

هذا ملخص كلامه الحسين بن شعيب بن محمد السنجي

من قرية سنج بكسر السين المهملة بعدها نون ساكنة ثم جيم وهي من أكبر قرى مرو

وهذا هو الإمام الجليل الشيخ أبو علي السنجي فقيه العصر وعالم خراسان وأول من جمع بين طريقتي العراق وخراسان وهو والقاضي الحسين أنجب تلامذة القفال

وقد تفقه على شيخ العراقيين الشيخ أبي حامد ببغداد وعلى شيخ الخراسانيين أبي بكر القفال بمرو وهو أخص به

كتب بنيسابور عن السيد أبي الحسن محمد بن الحسين العلوي وأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ

وببغداد عن أصحاب المحاملي

وصنف شرح المختصر وهو الذي يسميه إمام الحرمين بالمذهب الكبير وشرح تلخيص ابن القاص وشرح فروع ابن الحداد

قال بعض أصحابنا بنيسابور الأئمة بخراسان ثلاثة مكثر محقق ومقل محقق ومكثر غير محقق فأما المكثر المحقق فالشيخ أبو علي السنجي وأما المقل المحقق فالشيخ أبو محمد الجويني والمكثر غير المحقق فالفقيه ناصر العمري المروزي

ومن مستحسن الكلام الشيخ والقاضي زينة خراسان والشيخ والقاضي زينة العراق وهم الشيخ أبو علي والقاضي الحسين والشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب

توفي في سنة ثلاثين وأربعمائة

وقبره بجنب أستاذه القفال بمقبرة مرو

ومن المسائل والغرائب والفوائد عن الشيخ أبي علي

حكى في شرح الفروع وجها في فرع ابن الحداد الشهير وهو أول فروعه أنه إن مس الكلب نفس الإناء لم يطهر بطهارة الماء وإن مس الماء دون الإناء فإذا طهر الماء طهر الإناء

وهذا وجه غريب وقد يشبه بالوجه الضعيف في الصبة المفرق بين أن يلاقي محل الشرب فيحرم أو لا فلا

ولقد أحسن الشيخ أبو علي في شرح هذا الفرع وهو كلب ولغ في إناء فيه ماء اقل من قلتين ثم صب في ذلك الإناء ماء حتى بلغ بالماء الأول قلتين فالماء طاهر ما دام قلتين فإن نقص فسد فإن الإناء نجس بحاله حتى يغسل تمام سبع إحداهن بالتراب لأن الإناء لو ولغ فيه الكلب فألقي في البحر ثم أخرج لم يطهر ولم يكن إلقاؤه في البحر إلا كغسلة واحدة

هذا مذهب ابن الحداد

وفي المسألة وجه ثالث أن الإناء يطهر

وأجاد الشيخ أبو علي في الشرح الكلام على هذه المسألة وهي من أشهر المسائل بين الأصحاب ومن أشهر مولدات ابن الحداد ثم ليست هي في الرافعي وإنما تؤخذ من كلامه

قال في الروضة من زياداته في باب الوضوء ولو نسي لمعة في وضوئه أو غسله ثم نسي أنه توضأ أو اغتسل فأعاد الوضوء أو الغسل بنية الحدث أجزأه وتكمل طهارته بلا خلاف

انتهى

وقد حكى الشيخ أبو علي الخلاف في شرح الفورع فقال رأيت بعض أصحابنا قال هذا على القول الذي يجوز تفريق الطهارة لأنه غسل قدر اللمعة في المرة الثانية دون الأولى فهل تجزئه على قوليه قال الشيخ أبو علي وهذا غلط جدا لأنا إن لم نجوز التفريق فهو قد غسل جميع بدنه بنية الجنابة فأجزأ الكل كما أجزأ قدر اللمعة

قال ومثل هذه المسألة ما قال المزني لو أن رجلا صلى الظهر ونسي سجدة منها ثم أدرك تلك الصلاة بعينها تصلي جماعة فصلاها وعنده أنه قد أداها مرة على الكمال لم يجزه ما فعل عن الفرض وعليه أن يعيد مرة ثالثة إذا علم أنه قد ترك سجدة من الفعلة الأولى ولو كانت المسألة بحالها صلى الظهر وترك منها سجدة ثم أدرك تلك الصلاة بعينها وقد نسي أن يكون صلى واحدة فصلاها على أنها عليه ثم تذكر أنه كان قد صلاها مرة وترك سجدة منها أجزأه الثاني ولم يضره ما أغفله منها في المرة الأولى

وذكر الشيخ أبو علي في هذه المسألة ما إذا اغتسلت المرأة بعد الحيض لتمكين الزوج فقط هل يرتفع حدثها والمسألة فيها وجوه كثيرة مشهورة إلا أن الصحيح عند الرافعي والنووي والشيخ الإمام أن الحدث يرتفع فنقله الشيخ أبو علي عن شيخه وهو القفال ثم قال رأيت للكثير من أصحابنا أنه لا يصح

انتهى

فتكون الجماعة قد صححوا خلاف ما عليه الكثير من الأصحاب على ما نقل الشيخ أبو علي

وبعض الناس سأل أما هذه المسألة أعني ما إذا نوت وتمكين الزوج فقط غير المسألة المشهورة إذا نوى رفع بعض الأحداث وعينها ذات الأوجه

والجواب أن الفارق أن الذي لا يصحح هنا علته كما قال الشيخ أبو علي أن اغتسالها وقع لما ينقضه وهو الجماع فليس في ضمنه رفع الحدث ولا يوجب صحته في حق الوطء أن يصح في حق الصلاة

واستدل عليه الشيخ أبو علي بالمذهب في أن الذمة إذا اغتسلت لتحل لزوجها المسلم يصح في إباحة الوطء دون الصلاة لو أسلمت

قلت ويشهد له أن المرأة التي زال حيضها لو نوت بالغسل الصلاة فقط لجاز للزوج الوطء بلا شك على هذا فدل على أن المأخذ ليس هو استباحة بعض ما يستباح وحده

قال الإمام في الأساليب في تقويم الطعام المغصوب الإنسان إذا أشار إلى طعام غيره فقال ألي وذكر لآخر ذلك وأباح له أكله فإذا غرمه رجع على من غره وإن لم تثبت يد الغار عليه تعويلا على الغرور

وهذا مذهب حكاه الشيخ أبو علي وارتضاه لنفسه وهو جار على طرق قياس الغرور

انتهى كلام الأساليب

قال الشيخ أبو علي في شرح التلخيص بعد ما حكى الخلاف في التفريق بين الجارية وولدها المرهونة بالبيع ما نصه ولو كان للراهن سوى الجارية وولدها كلف قضاء الدين منه ولا تباع لأن بيعها دون الولد أو مع الولد وليس برهن كلاهما ضرورة فلا يصار إليه مع وجود المال

ويحكى هذا عن أبي إسحاق المروزي وقد نقله عنه صاحب التعجيز في شرحه للوجيز وهو غريب حسن لا ينبغي أن يختلف فيه

قطع نبات الحرم غير الإذخر

حكى الإمام في النهاية عن شرح التخليص للشيخ أبي علي وجهين فيما لو احتيج إلى قطع نبات غير الإذخر من الحرم للدواء هل يجوز قطعه قياسا على الإذخر وتبعه الغزالي والرافعي ومن بعدهما ولم أر في شرح التلخيص للشيخ أبي علي عن حكاية الوجهين إلا في وجوب الجزاء أما القطع فجزم بجوازه

391 حسين بن عبد العزيز بن محمد

392 الحسين بن علي بن جعفر بن علكان

ابن الأمير أبي دلف العجلي أبو عبد الله الجرباذقاني المعروف بابن ماكولا

ولي قضاء القضاة ببغداد من قبل القادر بالله أمير المؤمنين وكان قد ولي قبلها قضاء البصرة

قال الخطيب وكان نزها عفيفا لم نر قاضيا أعظم نزاهة منه ولا أظلف نفسا

وسمعته يذكر أنه سمع الحديث بأصبهان من أبي عبد الله بن مندة الحافظ

مات في ثامن عشر شوال سنة سبع وأربعين وأربعمائة

وقيل إن مولده سنة ثمان وستين وثلاثمائة

393 الحسين بن علي الطبري

صاحب العدة الموضوعة شرحا على إبانة الفوراني

إمام كبير

تفقه على ناصر العمري بخراسان

وعلى القاضي أبي الطيب ببغداد صغير ولازم بعده الشيخ أبا إسحاق الشيرازي وبرع وصار من عظماء أصحابه

ودرس بالنظامية بعد أبي القاسم الدبوسي منفردا ثم اشترك فيها مع أبي محمد الفامي فكان يدرس كل منهما يوما إلى أن قدم الغزالي فعزلا جميعا به إلى أن ترك الغزالي تدريسها في سنة تسع وثمانين وأربعمائة فأعيد صاحب العدة إلى التدريس

وكان إماما كبيرا أشعري العقيدة جرت بينه وبين الحنابلة القائلين بالحرف والصوت خطوب

وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب والشيخ أبي إسحاق وغيرهما

وسمع صحيح مسلم من عبد الغافر الفارسي

روى عنه إسماعيل الحافظ والسلفي وآخرون

وجاور بمكة وصار له بها أعقاب وأولاد

والأقرب أنه توفي سنة خمس وتسعين وأربعمائة لا أدري بمكة أم بأصبهان

وهذا الذي ذكرته في ترجمته ملخص من اختلاف كثير وقع نبهت عليه في الطبقات والوسطى واقتصرت هنا على ما وقع لي أنه الصواب

ومن المسائل والغرائب عنه

مسألة تعمد الكذب هل هو من الصغائر أو الكبائر حتى ترد الشهادة بالمرة الواحدة منه هذه المسألة قد استبهم على وجه النقل فيها فقضية ما وجدته في أكثر الكتب أي كتب المتقدمين من أصحابنا يشهد لكونه كبيرة وقضية ما وجدته في أكثر كتب المتأخرين يشهد لكونه صغيرة والنفس إلى الأول أميل لكثرة الأحاديث الواردة في التحذير منه

وقد جمعت في الأحاديث الواردة فيه مجلسا جامعا وقد لخص الكلام بكذب فيه ضرر أما ما لا ضرر فيه وفيه غرض صحيح فلا يخفى لخروجه عن المعصية مطلقا

وأما ما لا غرض فيه صحيح ولا ضرر فقد يقال إنه صغيرة ولكنه مسقط للمروءة فترد به الشهادة من هذا الوجه وقد يقال بل ما فيه ضرر كبير وما لا ضرر فيه موضع النظر في أنه كبيرة أم صغيرة

وبالجملة الكلام في الكذب من حيث هو كذب ذكر الرافعي في كتاب الشهادات أن صاحب العدة عد من الصغائر الكذب الذي لا حد فيه ولا ضرر وسكت عليه الرافعي والنووي في باب الرهن وفي الباب الرابع في النزاع ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن وشهد عليه فوجهان ويقال قولان أحدهما وبه قال الشيخ أبو حامد أنه لا تقبل شهادة واحد منهما لأن المدعي يزعم أن كل واحد منهما كاذب ظالم بالجحود وطعن المشهود له في الشاهد يمنع قبول شهادته

والثاني تقبل وبه قال الأكثرون لأنهما ربما نسيا وإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ولهذا لو تخاصم رجلان في شيء ثم شهدا في حادثة تقبل شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في ذلك التخاصم

انتهى

وقال في كتاب الشهادات بعد كلامه المتقدم فيمن يمدج الناس ويطري إذا كان كذبا محضا

عامة الأصحاب وهو ظاهر كلام الشافعي أنه كسائر أنواع الكذب حتى إذا أكثر منه ردت شهادته كما إذا أكثر الكذب في غير الشعر

وعن القفال والصيدلاني لا يلتحق بالكذب لأن الكاذب يرى الكذب صدقا ويروجه وليس غرض الشاعر أن يصدق في شعره وإنما هو صناعة وعلى هذا فلا فرق بين القليل والكثير وهذا حسن بالغ

انتهى

ولست على ثقة بأن قوله حتى إذا أكثر منه ردت شهادته إلى آخره من منقوله عن عامة الأصحاب بل قد يكون من عنده فرعها على قول الأكثرين أنه كسائر أنواع الكذب فلما كان في ذهنه مع ذلك أن سائر أنواع الكذب يفرق بين قليله وكثيره ذكر هذه الزيادة

كذا أحسب

وقال الروياني في البحر فرع

لو كذب عن قصد ردت شهادته وإن لم يكن فيما يقوله من الكذب ضرر على غيره من نميمة أو بهتان لأن الكذب حرام بكل حال

قال القفال إلا أن يقول ذلك على مذهب الكتاب والشعراء وفي المبالغة في الكلام مثل أن يشبه الرجل في الشجاعة بالأسد ولعله من أحبن الناس وبالبدر حسنا

وإنما يعد تنزيلنا للكلام وهو بمنزلة لغو اليمين لا حكم له

وقد روى موسى بن شيبة أن النبي شهادة من كذبة كذبها

وهذا مرسل

انتهى لفظ البحر

وبه تبين أيضا أن قول الرافعي وعلى هذا لا فرق بين القليل والكثير بحث منه وليس هو من كلام القفال والصيدلاني لأن القفال أطلق القول ولم يبين تعميمه وقد يفرق مع ذلك بين القليل والكثير فلينظر

من هذا مسألة إدخال المجانين والصغار المسجد

ذكر الرافعي عن صاحب العدة ساكتا عليه أنه عد من صغار الذنوب إدخال الصغار والمجانين والنجاسات المسجد

فأما النجاسات فواضح كونه معصية وأما إدخال الصغار والمجانين فلعل المراد إدخالهم مع الغفلة عنهم بحيث لا يؤمن أذاهم في المسجد وإلا فمجرد إدخالهم لا يظهر تحريمه

عد في العدة أيضا التغوط في طريق المسلمين وكشف العورة في الحمام من صغائر الذنوب كما نقله عنه الرافعي ساكتا عليه

فرع من باب صول الفحل

قال صاحب العدة فيها في الباب الثاني من أبواب ثلاثة عقدها في الضمانات وهو باب صول الفحل ما نصه فإن قدع يد رجل عند القصد فلما تولى تبعه وقتله كان لوليه القصاص في النفس لأن حين ولي عنه لم يكن له أن يقتله ولورثه المقصود أن يرجعوا في تركه القاصد بنصف الدية لأن القصاص سقط عنه بهلاكه ا هـ

وهو صحيح والضمير في قوله قطع عائد على القاصد وفي تبعه عائد على المقصود

إلى أن قال الصائل قطع يد رجل صيالا ثم تولى فتبعه المقطوع المقصود فقتله فورثه المقتول وهو الصائل ترجع على ورثة المقتول وهو المصول عليه ابتداء بالقصاص وترجع ورثة المقطوع إذا قتل قصاصا على ورثة المقتول بنصف الدية ليد مورثهم المقطوعة ظلما بالصيال

فهذا صحيح وقد نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه في الأم فقال قبل ما جاء في الرجل يقتل ابنه من جراح العمد ما نصه ولو شهدوا أنه أقبل إليه في صحراء بسلاح فضربه فقطع يدي الذي ارتد ثم ولي عنه فأدركه فذبحه أقدته منه وضمنت المقتول دية يدي القاتل ا هـ

والمسألة من مشهورات المنصوصات وقد وقع فيها شيء عجيب وذلك أن صاحب البيان فهم أن المقطوع هو المقتول وهو الصائل فاعترض باعتراض صحيح لو كان الأمر على ما فهمه وتبعه الرافعي والنووي رحمهما الله

وهذه عبارة البيان وإن قصده فقطع يده فولى عنه ثم تبعه فقتله كان لوليه القصاص في النفس لأنه ما ولي عنه لم يكن له قتله

قال في العدة ولورثة المقصود أن يرجعوا في تركه القاصد بنصف الدية لأن القصاص سقط عنه بهلاكه والذي يقتضيه المذهب أنهم لا يرجعون بشيء كما لو اقتص منه فقطع يده ثم قتله فلأن النفس لا تنقص بنقصان اليد ولهذا لو قتل رجل له يدان رجلا ليس له إلا يد واحدة قتل به ولا شيء لورثة القاتل ا هـ لفظه

والاعتراض ناشىء عن فهمه أن المقطوع يده هو الصائل وتبعه الرافعي واقتصر على عزو المسألة إلى البيان وصرح بأن المقطوع يده هو الصائل فقال وفي البيان أنه لو قطع يد الصائل في الدفع إلى آخر كلام البيان وسكت عليه وتبعه النووي وهما معذوران ولو نظرا النص لقالا ولو قطع يد المصول عليه وتعلما أن اعتراض العمراني في البيان ناشىء عن تصوير المسألة على غير وجهها

394 الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي القاضي المروروذي

الإمام الجليل أحد رفعاء الأصحاب ومن له الصيت في آفاق الأرضين

التحقيق إلى سوق المعاني حتى يخرج الوجه من صورة إلى صورة السامي على آفاق السماء والعالي على مقدار النجم في الليلة الظلماء والحال فوق فرق الفرقد وكذا تكون عزائم العلماء قاض مكمل الفضل فلو يتعرف به النحاة لما قالت في قاض إنه منقوص وبحر علم زخرت فوائده فعمت الناس وتعميم الفقهاء بها للخصوص وإمام تصطف الأئمة خلفه كأنهم بنيان مرصوص

كان القاضي جبل فقه منيعا صاعدا ورجل علم من يساجله يساجل ماجدا وبطل بحث يترك القرن مصفرا أنامله قائما وقاعدا

روى الحديث عن أبي نعيم عبد الملك الإسفرايني

روى عنه عبد الرزاق المنيعي وتلميذه محيي السنة البغوي وغيرهما

وتفقه على القفال المروزي وهو والشيخ أبو علي أنجب تلامذته وأوسعهم في الفقه دائرة أشهرهم به اسما وأكثرهم له تحقيقا وللقاضي رحمه الله مع ذلك الغوص على المعاني الدقيقة وكثرة التحرير وسداد النظر

ذكره عبد الغافر في السياق وقال فيه فقيه خراسان

قال وكان عصره تاريخا به

قال الرافعي وكان يقال له حبر الأمة

قلت وفي كلام إمام الحرمين أنه حبر المذهب على الحقيقة

وتخرج عليه من الأئمة عدد كثير منهم إمام الحرمين وصاحب التتمة والتهذيب المتولي والبغوي وغيرهم

قال الرافعي سمعت سبطة الحسن بن محمد بن الحسين بن محمد بن القاضي الحسين يقول أتى القاضي رحمه الله رجل فقال حلفت بالطلاق أنه ليس أحد في الفقه والعلم مثلك فأطرق رأسه ساعة وبكى ثم قال هكذا يفعل موت الرجال لا يقع طلاقك

وقد تكلمنا على هذه الحكاية في أول ديباجة هذا الكتاب

توفي القاضي رحمه الله في المحرم سنة اثنتين وستين وأربعمائة ومن شعره

إذا ما رماك الدهر يوما بنكبة ** فأوسع لها صدرا وأحسن لها صبرا

فإن إله العالمين بفضله ** سيعقب بعد العسر من فضله يسرا

ومن الرواية عنه وهي عزيزة

أخبرنا محمد بن إسماعيل الحموي قراءة عليه وأنا أسمع أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلي أخبرنا أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين القزويني أخبرنا الإمام أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد المعروف بحفدة العطاري

ح وأخبرنا جماعة من مشايخنا منهم الحافظان أبو الحجاج المزي وأبو عبد الله الذهبي عن أبي الحسن بن البخاري عن فضل الله بن محمد النوقاني قالا أخبرنا الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي قال حفدة سماعا وقال فضل الله إجازة أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أخبرنا أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن علي بن الشاة حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد حفيد العباس بن حمزة حدثنا جدي العباس بن حمزة حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا أبو معاوية وعبد الله بن نمير وأبو أسامة قالوا حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله ‏(‏ من سلك طريقا يبتغي فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة ‏)‏

561 يعقوب بن سليمان بن داود أبو يوسف الإسفرايني

خازن كتب المدرسة النظامية ببغداد

562 يوسف بن أحمد بن كج القاضي الإمام أحد أركان المذهب أبو القاسم الدينوري

صاحب أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وارتحل الناس إليه من الآفاق وأطنبوا في وصفه بحيث يفضله بعضهم على الشيخ أبي حامد

وقال له فقيه يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك قال ذاك رفعته بغداد وحطتني الدينور

وجهين الجواز لأنه استقبل القبلة والمنع لأن قبلته وجه دابته

أقر في مرض موته بأن ما في هذا الدار لفلان ومات فتنازع المقر له والورثة في بعض أمتعة الدار فقال الورثة لم يكن هذا في الدار وقت الإقرار

أجاب القاضي الحسين بأن القول قول المقر له لأنه أقر له بما في الدار وقد وجدنا هذا الشيء موضوعا فيها بعد الإقرار

وقال البغوي لا تسمع الدعوى على أنه كان في الدار لأن كونه في الدار غير مقصود بل يدعي أن الأب أقر لي به والقول قول الوارث مع يمينه يحلف أنه لا يعلم إقرار الأب به

قلت نظير المسألة أن يقر بما في يده ثم يتنازع مع المقر له في شيء هل كان في يده وقت الإقرار

والمجزوم به في الرافعي والروضة أن القول قول المقر وهو يشهد لما قاله البغوي هنا

رجل ضل شمشكة في ضيافة وترك هناك شمشك آخر

قال القاضي الحسين ليس له لبسه وإن علم أنه شمشك من أخذ شمشكه وإن فعل عصى الله

وقع في شرح المنهاج للوالد رحمه الله أن القاضي الحسين منع استئجار الوالد ولده للخدمة والذي في تعليقة القاضي نقل ذلك عن أبي حنيفة فقط

ومن الغرائب أن مثل هذا وقع للنووي في الروضة فحكاه وجها والذي في الرافعي عزوه إلى أبي حنيفة فقط

في فتاوي القاضي أنه لو دخل سارق دار إنسان فلم يمكنه الخروج زمانا وبقي مختفيا لا يجب عليه أجرة المثل لأنه لم يستول عليها بإزالة يد المالك بخلاف الغاصب

قتل وقد تنازع في هذا القول صاحب التتمة فيمن جلس مع غيره على بساطه بغير إذنه أنه يلزمه الأجرة وإن لم يزعج المالك ولكن الفرق أن الجالس على البساط قاصد الانتفاع بخلاف السارق فإن الضرورة أرهقته

ومن مسألة التتمة لا مسألة القاضي يؤخذ فرع كثير الوقوع

شخص يدخل دار غيره على سبيل التنزه دون الغصب فالظاهر وجوب الأجرة عليه وليس كمسألة السرقة وبل هو أولى بالوجوب من مسألة التتمة

قال القاضي في التعليقة عند نية الخروج من الصلاة إذا عين الخروج عن غير ما هو فيه عامدا بطلت سواء اشترطنا نية الخروج أم لم نشترطها لأنه أبطل ما هو فيه بنية الخروج عن غيره

وخرجه فميا إذا كان ساهيا على وجوب نية الخروج

والذي جزم به الرافعي تفريعا على وجوب نية الخروج إنما هو البطلان عند التعمد لا عند السهو وتفريعا على عدم الوجوب أنه لا يضر الخطأ في التعيين

فرع مهم في الدين فيه خلاف بين القفال والقاضي

قال القاضي في التعليقة في باب صفة الصلاة بعد كلامه على التشهد في المرء يتيقن أنه ترك في عمره صلوات لا يدري كم عددها ما نصه فرع رجل عليه فوائت لا يدري قدرها ولا عددها

كان القفال يقول يقال له قدم وهمك وخذ بما تتيقن فما تيقنت وجوبه في ذمتك فعليك قضاؤه وما شككت في وجوبه فلا

بخلاف ما لو شك في أداء فرض الوقت يلزمه فعله لأن الأصل وجوبه في الذمة ووقع الشك في سقوطه عن ذمته وفيما نحن فيه شك في أصل الوجوب قبل اليقين والطريق فيه أن يقال له إذا كان عدد من الصبح أو الظهر هل تتيقن أنه صبح أو ظهر واحد فإن قال نعم قلنا عليك فعلها

ثم نقول هل تتيقن أنها صبحان أو ظهران فإن قال نعم

قلنا عليك فعلها

وهكذا إلى أن ينتهي إلى حال يشك فيه فنطرح عنه المشكوك ونكلفه أداء اليقين

قال القاضي الحسين وعندي يقال للمصلي كم تيقنت من فرائض هذه السنة قد أديتها فالذي تيقنت سقط عنك والباقي في ذمتك لأن الأصل اشتغال ذمتك بالفريضة

وما قاله القفال يخرج على القول القديم أنه لو شك أنه هل ترك ركنا من أركان الصلاة فعلى قوله القديم الأصل مضيه على السلامة وفي الجديد يلزمه الاستئناف لأن الأصل اشتغال ذمته به ولو أنه على الشك قضى فائتة فالذي يرجى فيه من فضل الله تعالى أن يجبر بها خللا في الفرائض ويحسبها له نفلا

سمعت بعض أصحاب القاضي أبي عاصم يقول إنه قضى صلوات عمره كلها مرة وقد استأنف قضاءها ثانيا

ومن مذهب أبي حنيفة لو مرت عليه فوائت فأراد أن يقضيها ينوي أولا أول صبح فاته أو أول ظهر ثم بعد ذلك ينوي ما يليه أو ينوي آخر ظهر أو آخر صبح ثم ينوي ما يليه فيستجيب أن ينوي على هذا الوجه

ولو أطلق النية فنوى قضاء فائتة الصبح أو الظهر جاز

انتهى كلامه في التعليقة

مسألة من باب الدعوى في الميراث

إذا مات محهول الدين وله ولدان مسلم ونصراني قال كل منهما لم يزل علىديني حتى مات

جعلت التركة كمال في يد اثنين تنازعاه

وقال القاضي حسين إن كان في يد أحدهما فالقول قوله

قال الغزالي وهذه زلة لأنه معترف بأن يده من جهة الميراث فلا أثر ليده مع ذلك

واعلم أن الغزالي تلقى هذا الكلام من إمامه غير أن إمامه جعل الحمل فيه على الناقل عن القاضي مع تصريحه بأن القاضي قاله وهذا عجيب

وهذه عبارة النهاية وقد ذكر القاضي أنا ننظر إلى اليد فإن كانت التركة في يد أحدهما فالقول قوله مع يمينه وهذا وهم وزلل من الناقل عنه

انتهى

فكأنه وإن أبصره في كتاب القاضي لم يتحقق أنه من قبله لعلو فهم القاضي عنده وضعف هذه المقالة

فأضاف الزلل إلى المعلق

وقد خلا كلام الغزالي عن هذه الزيادة لا سيما وفي بعض نسخ الوسيط وهذه زلة من كبير وهذا يكاد يصرح بثبوتها على القاضي وهو شيء فر منه الإمام لكن ما عزي للقاضي هو قول الشيخ أبي حامد شيخ العراقيين وجماعة كما قال الرافعي وليت شعري لم جعل زللا وما جعل القول قول الثالث إذا كان المال في يده زللا وكان القياس إذا أقر به لأحدهما أن يكون الحكم كما لو كان في يدهما نظرا لما أبطل به الإمام كلام القاضي

وقد أطنب ابن الرفعة في المطلب في تأييد كلام القاضي وذكر هذا الذي ذكرناه وغيره

ولكني أقول الإمام في النهاية لم يذكر ما إذا كان المال في يد غيرهما والرافعي وإن كان جزم بأن القول قول الثالث لكنا لا ندري ما حال هذا الجزم عند الإمام

وقد ذكر ابن الرفعة أن القاضي عماد الدين بن السكري اعترض في حواشي الوسيط قائلا يمكن أن يقال يوقف فإن بيت المال يقول لعله مات على غير دينكما فيحتاج كل مدع إلى إثبات ما يدعيه وليس المال في يدهما بل قد علم أن المال كان في الميت الذي لم يعرف حاله

ونقل عن صاحب الشامل أنه ذكر وجها يوافق هذا البحث لكن ابن الرفعة قال إن هذه الأوجه له لأن ما أبداه يحتمل فيما إذا توافقا أنه مات على دينهما أو كان واحد ومع ذلك لا يوافق اتفاقا

فرع في باب صفة الصلاة

قال القاضي في التعليقة ولو قال سلام عليكم من غير ألف ولام لم يتحلل به من الصلاة

نص الشافعي على أنه إذا نقص حرفا منه تبطل به صلاته

ولو قال سلام عليكم وزاد التموين ونقص الألف واللام فيه وجهان أحدهما يقوم التنوين مقامه فيقع به التحلل

والثاني لا

ولو قال سلام عليكم من غير التنوين ترتب على التنوين أن قلنا لا يخرج به عن صلاة فهنا أولى وإلا فوجهان أحدهما يخرج من الصلاة كذلك لأن إسقاط التنوين لا يغير معناه فهو كما لو قال منونا

انتهى

ومسألة سلام عليكم منكرا منونا مشهورة ورجح الرافعي فيها الإجراء والنووي عدم الإجزاء وقال إنه المنصوص

أما مسألة سلام منكرا غير منون فغريبة ومن العجيب أن الشيخ برهان الدين ابن الفركاج نقل فيها في تعليقه على التنبيه أن القاضي قال لا يجزىء

وكأنه نظر أول ما حكيناه من كلامه

ولو تأمل آخره لوجده قد حكى فيها وجهين كما رأيت

وفي كتاب سر الصناعة لابن جني أن أبا الحسن حكى عنهم سلام عليكم غير منون ووجهه بأن اللفظة كثرت في كلامهم فحذف تنوينها تخفيفا

395 الحسين بن محمد بن الحسين الفوراني الإمام أبو علي البيهقي

قال عبد الغافر فيه ركن من أركان أصحاب الشافعي بناحية بيهق مدرسهم ومفتيهم ومذكرهم والمرجوع إليه في مهمات الأمور دينا ودنيا فيهم

هذا ما ذكره عبد الغافر نقلته من منتخب كتابه

وذكره في طبقة القاضي الحسين وأقرانه

396 الحسين بن محمد بن الحسن أبو القاسم الفارسي

مات في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

397 الحسين بن محمد بن الحسن بن إبراهيم

أبو علي الدلفي المقدسي البغدادي

تفقه على ابن الصباغ

قال أبو علي بن سكرة لم ألق ببغداد أصلح منه ولا أزهد

كان في سنة أربع وثمانين وأربعمائة

398 الحسين بن محمد بن عبد الله

الشيخ الإمام الكبير أبو عبد الله الحناطي الطبري

والحناطي بحاء مهملة بعدها نون مشددة وهذه النسبة لجماعة من أهل طبرستان منهم هذا الإمام ولعل بعض آبائه كان يبيع الحنطة

كان الحناطي إماما جليلا له المصنفات والأوجه المنظورة

قدم بغداد وحدث بها عن عبد الله بن عدي وأبي بكر الإسماعيلي ونحوهما

قال الخطيب حدثنا عنه أبو منصور محمد بن أحمد بن شعيب الروياني والقاضي أبو الطيب الطبري

قلت وقال القاضي أبو الطيب في تعليقته في باب التحفظ في الشهادة عند الكلام على الحناطي كان الحناطي رجلا حافظا لكتب الشافعي ولكتب أبي العباس

انتهى

ذكره بعد ما قال الذي شاهدت عليه أصحابنا العراقيين أنهم يقولون إن المذهب أن شهادته لا تسمع وأن ابن سريج قال تسمع وأنه سمع الحناطي يعكس ويقول المذهب أنها تسمع وابن سريج يقول لا تسمع

قلت والأول ما نقله الحسن بن أحمد البصري في كتاب أدب القضاء فإنه ذكر أن أكثر أصحابنا قالوا لا تقبل وإن ابن سريج قال تقبل

قال وهو القياس

قلت ووفاة الحناطي فيما يظهر بعد الأربعمائة بقليل أو قبلها بقليل والأول أظهر

ومن الغرائب والمسائل عن الحناطي

رأيت في فتاويه أنه لا يجوز جعل الذهب والفضة في كاغد كتب عليه ‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏}‏ وأوقفت الشيخ الإمام الوالد على ذلك فأقره

وفيها أن من صلى في فضاء من الأرض بأذان وإقامة ثم حلف أنه صلى في جماعة أنه يبر لقوله ‏(‏ إن الملائكة تصلي خلفه ‏)‏ ووافقه الشيخ الإمام أبي رحمه الله

وأنه لو قال لغريمه أحللتك في الدنيا دون الآخرة برىء في الدارين لأن البراءة في الآخرة تابعة للبراءة في الدنيا

قلت وقد ينازع في ذلك ويقال لا يلزم من البراءة في الدنيا البراءة في الآخرة وإنما هو كتأجيل الدين ولا أعني صيرورته مؤجلا وأن الحال لا يؤجل وإنما أعني نحو الوصية أو نذر تأخير المطالبة وكأنه ترك حقه من المطالبة في الدنيا نعم يتجه أن يقال لا يبرأ مطلقا ويبقى الدين في ذمته كما كان غير أن الدائن لا يستحق المطالبة به في الدنيا وإن أحب المدين البراءة الكلية التي لا يتبعه معها في دنيا ولا أخرى وفي الدائن دينه ثم للدائن أخذه ولا يمنعه إبراؤه في الدنيا لأنا قد قلنا إن معنى الإبراء في الدنيا ترك حق المطالبة فغايته تأجيل الحال ثم من له دين مؤجل قد يعجل له

فإن قلت أيصح رد كلام الحناطي بأن يعكس قوله لما أبرأه في الدنيا بريء في الآخرة ويقال لما لم يبرأ في الآخرة لم يبرأ في الدنيا يعين ما قاله فإنه علله بأن الآخرة تابعة وكما لا ينفصل التابع عن المتبوع كذلك لا ينفصل المتبوع عن التابع وذلك شأن المتلازمين

قلت لا يصح ذلك لأن إعمال قوله أبرأتك في الدنيا أولى من إعمال لم أبرئك في الآخرة فإن قوله دون الأخرى لا يزيد على أنه بقي الأمر في الآخرة على ما كان عليه

وذلك مستفاد من قبل الإبراء وهو إنما أصدر الإبراء في الدنيا وجعل صدر كلامه مكانه أولى بأن ينظر إليه ويحذف ما بعده لوقوعه كالمعارض له فهو يشبه رفع الشيء بعد ثبوته فلا يسمع كألف من ثمن خمر

وأنه سئل عن مريض تحقق موته في مرضه هل تصح وصيته فقال لا تصح ولا قصاص على قاتله وإن أثم

انتهى

ومراده من انتهى إلى حركة المذبوحين ولم يبق فيه حياة مستقرة ولا يحمل التأخير لحظة

وبذلك صرح العراقيون في كتاب الوصايا فقال الشيخ أبو حامد إذا كان في النزع وقد شخص بصره وانتصبت عيناه فلا قود ولا دية ولا كفارة

وتبعه جماعات منهم المتولي والرافعي والنووي لكنهم جميعا صرحوا في كتاب الجراج بوجوب القود فقالوا والعبارة للإمام رضي الله تعالى عنه لو انتهى المريض إلى سكرات الموت وبدت مخايله وتغيرت الأنفاس في الشراسيف فلا يحكم له بالموت وإن كان يظن أنه في حالة المقدود لأن بلوغه إلى تلك الحالة غير مقطوع وقد يظن به ذلك ثم يشفى بخلاف المقدود

قال الإمام وكم من مذفف شق عليه الجيوب وشد حنكه ثم تثور قوته وتعود فلا يتصور الحكم بالموت على ثقة ما لم يخمد ويفض نفسه فإذا ضرب ضارب رقبته وهو يتنفس فنجعله قاتلا على التحقيق

هذا كلام الإمام وتبعه الأصحاب وسبقه غيره وهو منصوص للشافعي رضي الله عنه

ولقائل أن يقول التعبير بأنه في سكرات الموت وأنه انتهى إلى حركة المذبوح مع تفرقتهم بأن بلوغه إلى تلك الحالة غير مقطوع ليس بصواب بل الصواب التعبير بعبارة صاحب المهذب فإنه قال في الأم من جنى على رجل يرى من حضره أنه في السياق وأنه يقبض مكانه فضربه بحديدة فمات فعليه فيه القود لأنه قد يعيش بعد ما يرى أنه يموت

انتهى

وأنه وصل إلى حركة المذبوح قد لا يكون في نفس الأمر كذلك فيجب القصاص على قاتله وهو ما جزم به الأصحاب في كتاب الجراح

ومن تيقنا أنه انتهى إلى حركة المذبوح وأن الحياة فيه غير مستقرة فلا قصاص فيه وهو ما ذكره في باب الوصايا فلا تناقض بين الموضعين

ومن شككنا أنه وصل إلى هذه الحالة فالصواب ألا يحكم بوصوله إليها وأن نوجب القصاص على قاتله جريا على الأصل

هذا ما يظهر وبه يجتمع كلام الأصحاب في الوصايا والجراح ولا يعد تناقضا وإنما أتي من أتي من سوء التعبير

فإذا قال قائل يجب القصاص على قاتل المريض وإن ظن انتهاؤه إل حركة المذبوح بخلاف من تيقن أنه انتهى إلى هذه الحالة كما صرحوا بالأول في الجراح وبالثاني في الوصايا كان مصيبا

وإذا زاد فقال لكن ما ذكروه في باب الوصايا لا يتحقق محله لأن تلك الحالة لا يتحقق الانتهاء إليها فإطلاق وجوب القصاص صحيح كان مصيبا أيضا

وهذا مختصر من جملة مطولة متشعبة في كلام الأصحاب قد لخصتها لك هنا خرج لك منا أن ما ذكره الحناطي في فتاويه وإن كان حقا في نفس الأمر إذا حمل على من تيقن أنه انتهى إلى حركة المذبوح وقع ألفاظا وفقا لما ذكره في باب الوصايا لكنه غير معمول به لعدم تيقن تلك الحالة وأما الظن بالحناطي أنه يقول لا قصاص وإن لم ينته إلى حركة المذبوح إذا تيقنا موته بذلك المرض فهذا ظن باطل إذ لا يقول بذلك عاقل بل لو تيقنا موته بذلك المرض وأنه لا يعيش إلا لحظة واحدة فقتله قاتل وجب عليه القود جزما لأن الموت محال على قتله فإن المرض قد كان يبقيه تلك اللحظة ففوتها عليه وإن كان القاتل عندنا معاشر أهل السنة لا يقطع أجلا لكن ذلك واد آخر من غير هذا الوادي الفقهي الذي نحن الآن نمشي فيه

399 الحسين بن محد الطبري الشيخ أبو عبد الله الإمام الكشفلي

وكشفل بفتح الكاف وضم الفاء بينهما شين معجمة ساكنة وآخرها اللام من قرى آمل طبرستان

تفقه على أبي القاسم الداركي وتفقه قبله على أبي عبد الله الحناطي

قال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها مجودا موصوفا بجودة النظر

وقال الخطيب كان من فقهاء الشافعيين

قال ودرس في مسجد عبد الله بن المبارك بعد موت أبي حامد الإسفرايني

قال وكان فهما فاضلا صالحا متقللا زاهدا

وحكي أن بعض طلبته اشتكى إليه فاقة وأنه تأخرت عنه نفقته التي ترد عليه من أبيه فأخذ الكشفلي بيده وذهب إلى بعض التجار بقطيعة الربيع فاستقرض له منه خمسين دينارا فقال حتى نأكل شيئا

فمد السماط فأكلوا

ثم قال يا جارية هاتي المال

فأحضرت جاريته شيئا من المال فوزن منه خمسين دينارا ودفعها إلى الشيخ

فلما قاما إذا بوجه الفقيه قد تغير فقال له الكشفلي ما لك فقال يا سيدي قد سكن قلبي حب الجارية

فرجع به إلى التاجر فقال وقد وقعنا في فتنة أخرى

قال ما هي قال إن الفقيه قد هوي الجارية

فأمر التاجر بأن تخرج وسلمها إليه وقال ربما تكون قد وقع في قلبها منه مثل الذي وقع في قلبه منها

فلما كان بعد ليال قدمت على الفقيه نفقة من أبيه ستمائة دينار فوفى التاجر ما كان له عليه من ثمن الجارية والقرض

مات الكشفلي في ربيع الآخر سنة أربع عشرة وأربعمائة

ودفن بمقبرة باب حرب

400 الحسين بن محمد الوني

بفتح الواو وتشديد النون الشيخ أبو عبد الله الفرضي

كان متقدما في علم الفرائض له فيه تصانيف جيدة

قال ابن السمعاني وكانت له يد في علوم أخر وكان حسن الذكاء

سمع الحديث من أصحاب أبي علي الصفار وأبي جعفر بن البختري وغيرهما

وسمع منه أبو حكيم الخبري وغيره

قال ابن ماكولا سمعت أبا بكر الخطيب يقول حضرنا مجلس بعض المحدثين وكان معنا أبو عبد الله الوني فأملى أحاديث ونهضنا وقد حفظ الوني منها بضعة عشر حديثا

قتل الوني ببغداد في فتنة البساسيري سنة خمسين وأربعمائة

401 الحسين بن محمد أبو عبد الله القطان

صاحب المطارحات

ذكره الرافعي في كتاب الغصب وحكى قوله في المطارحات فيما إذا وطىء الغاصب المغصوبة وأحبلها المشتري ثم ماتت في الولادة في يد المالك أنه إن كان عالما فلا شيء عليه لأنه ليس منه أي لا يلحقه حتى يقال ماتت لولادة ولده

ونقل في صورة الجهل قولين لأن الولد لاحق به فيصح أن يقال ماتت من الولادة التي كانت منه

والذي أطلقه المتولي وصححه النووي القول بوجوب الضمان

وقد وقفت على المطارحات ورأيت ذلك فيها وهذه عبارتها مسألة رجل غصب جارية وباعها وأحبلها المشتري ثم استحقها المغصوب منه وردت عليه ثم ماتت في الولادة

الجواب إن كان المشتري عالما بالغصب لم يضمن الجارية لأن الولد تلده لا يلحقه ولا يصح أن يقال ماتت من ولادة الولد الذي منه وإن كان غير عالم ضمن قيمة الجارية في ماله لأنه إذا لم يكن عالما بالغصب فالولد لاحق به فيصح أن يقال ماتت من الولادة التي كانت منه

وفي ذلك قول آخر أن قيمة الجارية على عاقلته

انتهى

وفي المطارحات رجل في يده قميص قال خاطه لي فلان

فقال فلان بل هذا قميصي إن القول قول من في يده قميص إلا أن يقول أخذته من هذا الخياط فالقول قول الخياط حينئذ والفرق أنه في الأول يحتمل أن يكون خاطه في يده أو في داره فيكون الخياط مدعيا والقول لصاحب اليد بخلاف ما إذا قال أخذته من هذا الخياط فإنه مقر للخياط باليد

402 حمد بن محمد بن العباس بن محمد بن موسى

يتصل نسبه بالزبير بن العوام أبو عبد الله الزبيري

ليس أبا عبد الله المشهور ذاك اسمه الزبير

وهذا رجل سمع الحديث الكثير وسافر في طلبه إلى خراسان ولقي الأئمة

وتفقه على ناصر العمري

وولي قضاء طبرستان وإستراباذ

وناظر الأئمة

وحدث عن أبي بكر أحمد بن الحسين بن الحافظ وأبي عبد الرحمن محمد بن أحمد المزكي وناصر العمري والشيخ أبي محمد الجويني وأبي عثمان سعيد بن سعيد العيار وغيرهم

روى عنه أبو القاسم السمرقندي وغيره

قال شيرويه قدم علينا همذان وسمعت منه ببغداد

وقال ابن السمعاني ولد قبل العشرين وأربعمائة وتوفي بنيسابور ليلة الجمعة لخمس بقين من ربيع الأول سنة أربع وسبعين وأربعمائة وحمل تابوته إلى آمل ودفن بها

403 حكيم بن محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن حكيم الذيموني

الشيخ أبو محمد

منتسب إلى ذيمون بالمعجمة وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين وضم الميم وسكون الواو بعدها ثم النون على فرسخين ونصف من بخارى

تفقه أبو محمد هذا على أبي عبد الله الخضري

ودرس الكلام على الأستاذ أبي إسحاق

وكان بصيرا بمذهب الأشعري قيما بمذهب الشافعي

توفي ببخارى في شهر ربيع الأول سنة عشر وأربعمائة

404 رافع بن نصر أبو الحسن البغدادي

الفقيه الزاهد المعروف بالحمال

روى عن أبي عمر بن مهدي الفارسي وأبي الحسن بن رزقويه وغيرهما

حدث عن سهل بن بشر الإسفرايني وجعفر السراج وغيرهما

وكان فقيها متكلما

تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني

وأخذ علم الأصول عن القاضي أبي بكر

قال هياج بن عبيد كان لرافع الحمال في الزهد قدم وإنما تفقه أبو الحسن رافع على أبي إسحاق الشيرازي

ومن شعره يقول

اقطع الآمال عن فضل ** بني أدم طرا

أنت ما استغنيت عن مثلك ** أعلا الناس قدرا

توفي بها سنة سبع وأربعين وأربعمائة

كتب إلي أحمد بن أبي طالب أنبأنا الحافظ محمد بن محمود أخبرنا محمد بن أبي المعالي المقرىء أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر ابن محمد بن يوسف قال سمعت رافعا الحمال البغدادي الفقيه ونحن نطوف بالبيت يقول سمعت بكرا الواعظ يقول وقد سئل أيهما أفضل محمد أو موسى فقال محمد

فقيل له فما الدليل على ذلك فقال إنه تعالى أدخل بينه وبين موسى لام الملك فقال ‏{‏وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي‏}‏ وقال لمحمد ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ‏}‏ ففرق بين من أقام وصفه بوصفه ومن أقامه مقام نفسه

405 روح بن محمد بن أحمد بن محمد بن إسحاق

القاضي أبو زرعة الرازي حفيد الإمام أبي بكر بن السني الحافظ الدينوري كتب عنه الخطيب وقال كان صدوقا فهما أديبا يتفقه على مذهب الشافعي

قال ابن الصلاح يطلق هو وغيره لفظة يتفقه على من ليس بمبتدىء في الفقه

سمع أبو زرعة من أبي زرعة أحمد بن الحسين الرازي وجعفر الفناكي وابن فارس اللغوي وأقرانهم

روى عنه الخطيب وغيره

مات سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

406 زهير بن الحسن بن علي أبو نصر السرخسي

ولد بعد السبعين وثلاثمائة

وسمع من زاهر السرخسي

وتفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرايني

وروى السنن عن أبي عمر الهاشمي

وكان رئيس المحدثين بسرخس

توفي في شوال سنة أربع وخمسين وأربعمائة

407 سالم بن عبد الله

أبو معمر بفتح الميم وإسكان العين الهروي

ويعرف بغولجه بضم الغين المعجمة وبالجيم لغة هروية وهو تصغير غول

كان أحد أئمة الدين وعلماء المسلمين

ذكره العبادي في طبقة الشيخ أبي محمد وناصر المروزي وشبههما

وذكره أبو النصر في تاريخ هراة فقال وكان إماما في أنواع العلوم وهو الذي قيل فيه ما عبر جسر بغداد مثل سالم

صنف كتاب اللمع في الرد على أهل البدع في مسائل أصول الاعتقاد وما يخالف فيه أهل السنة أهل الاعتزال والإلحاد

روى عنه الحاكم

توفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

408 السري ين إسماعيل بن الإمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أبو العلاء الجرجاني

شيخ عصره في العلم والأدب

رحل وسمع بالري وهمذان والكوفة وبغداد

وروى عن جده والدارقطني وأبي أحمد الغطريفي وأبي حفص بن شاهين وغيرهم

وكان مفتي جرجان بعد والده الإمام أبي سعد

تفقه به جماعة

توفي في سنة ثلاثين وأربعمائة

409 سرخاب بن يوسف بن محمد

أبو طاهر البريدي

من أهل الري

تفقه ببغداد

وسمع من أبي عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي وأبي القاسم بن بشران وغيرهما

روى عنه الخطيب

410 سعد بن عبد الرحمن الفقيه أبو محمد الإستراباذي

المذكور في الباب الثاني في أركان الطلاق من شرح الرافعي وفي فروع الطلاق أيضا

تفقه بنيسابور على ناصر العمري

وبمروالروذ على القاضي الحسين

ثم لازم إمام الحرمين وصار من أخصائه

وكان إماما بارعا

سمع أبا الحسين الفارسي وأبا حفص بن مسرور والكنجروذي

قال عبد الغافر الفارسي هو الفقيه البارع أحد أركان الفقه المختصين بإمام الحرمين بعد أن درس الفقه قديما على ناصر وغيره من فقهاء نيسابور ثم خرج إلى القاضي الحسين بمروالروذ وأقام عنده وتخرج به

توفي ليلة الجمعة خامس عشر شوال سنة تسعين وأربعمائة

411 سعد بن علي بن الحسن أبو منصور العجلي الأسداباذي

نزيل همذان

قال ابن السمعاني كان ثقة مفتنا حسن المناظرة كثير العلم والعمل وكان مفتي همذان

سمع القاضي أبا الطيب وأبا إسحاق البرمكي

وسمع بمكة كريمة المروزية

روى عنه إسماعيل التيمي والسلفي إجازة

قال شيرويه قرأت عليه شيئا من الفقه وكان حسن المناظرة هيوبا

مات في ذي القعدة سنة أربع وتسعين وأربعمائة

412 سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين الشيخ الحافظ الزاهد

الورع أبو القاسم الزنجاني

سمع بمصر أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف وغيره

وبزنجان محمد بن أبي عبيد

وبدمشق عبد الرحمن بن ياسر وغيره

روى عنه الخطيب وهو أكبر منه وأبو المظفر السمعاني ومحمد بن طاهر المقدسي وعبد المنعم بن القشيري وآخرون

جاور بمكة مدة وصار شيخ حرمها

قال أبو الحسن محمد بن أبي طالب الكرجي سألت محمد بن طاهر عن أفضل من رأى فقال سعد الزنجاني وعبد الله بن محمد الأنصاري

فسألته أيهما أفضل فقال عبد الله كان متفننا وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه وذلك أني كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئا لأجريه ففي بعض يرد وفي بعض يسكت والزنجاني كنت إذا تركت اسم رجل يقول تركت بين فلان وفلان اسم فلان

قال ابن السمعاني صدق كان سعد أعرف بحديثه لقلته وكان عبد الله مكثرا

قال أبو سعد سمعت بعض مشايخي يقول كان جدك أبو المظفر قد عزم على أن يقيم بمكة ويجاور بها صحبة الإمام سعد بن علي فرأى ليلة من الليالي والدته كأنها قد كشفت رأسها وقالت له يا بني بحقي عليك إلا ما رجعت إلى مرو فإني لا أطيق فراقك

فانتبهت مغموما وقلت أشاور الشيخ سعدا وهو قاعد في الحرم ولم أقدر من الزحام أن أكلمه فلما تفرق الناس وقام تبعته إلى داره فالتفت إلي وقال يا أبا المظفر العجوز تنتظرك ودخل البيت فعرفت أنه تكلم على ضميري فرجعت مع الحاج تلك السنة

قال أبو سعد كان الزنجاني حافظا متقنا ثقة ورعا كثير العبادة صاحب كرامات وآيات وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود

وقال محمد بن طاهر ما رأيت مثله سمعت أبا إسحاق الحبال يقلول لم يكن في الدنيا مثل أبي القاسم الزنجاني في الفصل وكان يحضر معنا المجالس ويقرأ الخطأ بين يديه فلا يرد على أحد إلا أن يسأل فيجيب

قال ابن طاهر وسمعت هياج بن عبيد إمام الحرمين ومفتيه يقول يوم لا أرى فيه سعد بن علي لا أعتد أني عملت خيرا

وكان هياج من أولياء الله تعالى وفضلاء عصره

وقال ابن طاهر وكان الشيخ سعد لما عزم على المجاورة عزم على نيف وعشرين عزيمة أنه يلزمها نفسه من المجاهدات والعبادات ومات بعد ذلك بأربعين سنة ولم يخل بواحدة منها

قال ودخلت عليه وأنا ضيق الصدر من رجل من أهل شيراز لا أذكره فأخذت يده فقبلتها فقال لي ابتداء من غير أن أعلمه بما أنا فيه يا أبا الفضل لا تضيق صدرك عندنا في بلاد العجم مثل يضرب يقال بخل أهوازي وحماقة شيرازي وكثرة كلام رازي

ودخلت عليه لما عزمت على الخروج إلى العراق حتى أودعه ولم يكن عنده خبر من خروجي فلما دخلت عليه قال أراحلون فنبكي أم مقيمونا فقلت ما أمر الشيخ لا نتعداه

فقال على أي شيء عزمت قلت على الخروج إلى العراق لألحق مشايخ خراسان

فقال تدخل خراسان وتبقى بها وتفوتك مصر وتبقى في قلبك فاخرج إلى مصر ثم منها إلى العراق وخراسان فإنه لا يفوتك شيء

ففعلت وكان في ذلك البركة

ولد سعد في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة أو قبلها

وتوفي سنة إحدى وسبعين أو في آخر سنة سبعين بمكة

413 سعد بن أبي سعد محمد بن منصور أبو المحاسن الجولكي

بضم الجيم بعدها الواو الساكنة ثم اللام المفتوحة وفي آخرها الكاف نسبة إلى جولك رجل من الغزاة استشهد على باب رباط دهستان

كان والده أبو سعد رجلا رئيسا من أهل جرجان ولي الرياسة بها إلى أن توفي فوليها بعده والده هذا وكان والده هذا يكنى أبا المحاسن

وكان فقيها بارعا محققا مناظرا

خلف أباه في حياته وهو ابن ثمان عشرة سنة

وتخرجت به الفقهاء

وروى عن جده لأمه أبي سعد وأبي نصر الإسماعيلي ووالده أبي سعد الجولكي وغيره

ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة

وكان الأمير فلك المعالي منوجهر بن قابوس وشمكير أمير جرجان وجهه إلى غزنة رسولا سنة إحدى عشرة وأربعمائة بخرج وعقد له مجلس النظر بنيسابور وهراة وغزنة ورجع سالما غانما موقرا

قتل ظلما بأستراباذ في رجب سنة أربع وخمسين وأربعمائة

414 سعيد بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد أبو سهل النيلي

أخو الشيخ أبي عبد الرحمن

فقيه شاعر إمام في الطب ثقة في الحديث

وروى عن أبي عمرو بن حمدان وغيره

مات فجأة سنة عشر وأربعمائة عن سبع وستين سنة

415 سليم بن أيوب بن سليم

الشيخ الإمام أبو الفتح الرازي

اشتغل قبل الفقه بالتفسير والحديث واللغة

ثم سافر إلى بغداد فتفقه بها على الشيخ أبي حامد حتى برع في المذهب وصار إماما لا يشق غباره وفارسا لا تلحق آثاره ومجدا لا يعرفه بغير الدأب في العلم والعبادة ليله ونهاره

وعلق عن الشيخ أبي حامد التعليقة ولما توفي الشيخ أبو حامد درس مكانه

ثم سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا محتسبا ينشر العلم

سمع أبا الحسين أحمد بن فارس اللغوي وشيخه أبا حامد الإسفرايني وأحمد بن عبد الله الأصبهاني وأحمد بن محمد البصير الرازي ومحمد بن عبد الله الجعفي ومحمد ابن جعفر التميمي الكوفيين وأحمد بن محمد المجبر وجماعة

روى عنه الكتاني وأبو بكر الخطيب والفقيه نصر المقدسي وأبو نصر الطريثيثي وعبد الرحمن بن علي الكاملي وسهل بن بشر الإسفرايني وخلق وقع لنا الكثير من حديثه

قال سهل الإسفرايني حدثني سليم أنه كان في سفرة بالري وله نحو عشر سنين فحضر بعض الشيوخ وهو يلقن فقال لي تقدم فاقرأ فجهدت أن أقرأ الفاتحة فلم أقدر على ذلك لانغلاق لساني

فقال ألك والدة

قلت نعم

قال قل لها تدعو لك أن يرزقك الله القرآن والعلم فرجعت فسألتها الدعاء فدعت لي ثم إني كبرت ودخلت بغداد فقرأت بها العربية والفقه ثم عدت إلى الري فبينا أنا في الجامع أقابل مختصر المزني وإذا الشيخ قد حضر وسلم علينا وهو لا يعرفني فسمع مقالتنا وهو لا يعلم ما نقول ثم قال متى نتعلم مثل هذا فأردت أن أقول إن كانت لك والدة قل لها تدو لك فاستحييت منه

أو كما قال

416 سهل بن أحمد بن علي الحاكم أبو الفتح الأرغياني

صاحب الفتاوي

وأرغيان بفتح الألف وسكون الراء وكسر الغين المعجمة وفتح الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون اسم لناحية من نواحي نيسابور بها عدة من القرى

وسهل هذا هو الحاكم أبو الفتح من قرية بان بفتح الباء الموحدة من تحت وفي آخرها النون وهي من جملة أرغيان ولك أن تقول فيه الباني والأرغياني

قال ابن السمعاني إمام فاضل حسن السيرة

تفقه على القاضي الحسين بمرو الروذ وأقام عنده حتى حصل طريقته

ذكر أنه ما علق شيئا من المذهب إلا على طهارة

ودخل طوس وقرأ التفسير والأصول على شهفور الإسفرايني

ثم دخل نيسابور وقرأ الكلام على إمام الحرمين

وعاد إلى ناحيته وولي القضاء بها وحمدت سيرته في ولايته ثم ترك القضاء وانزوى بعد ما حج واشتغل بالعبادة

سمع ينيسابور أبا عثمان الصابوني وأبا حفص بن مسرور وأبا سعد الكنجروذي وطبقتهم

وببوشنج أبا الحسن الداوودي

وبهراة أبا عمر المليحي

روى لنا عنه أبو طاهر السنجي

وكانت ولادته سنة ست وعشرين وأربعمائة

وتوفي أول يوم من محرم سنة تسعين وأربعمائة ببان

وأوصى أن يدفن في الصحراء

هذا كلام ابن السمعاني

417 سهل بن أحمد بن محمد بن حامد بن أسد بن إبراهيم الطوسي ثم الأبيوردي أبو عبيد

قال عبد الغافر فاضل فقيه من أفاضل فقهاء الشافعية

سمع من المخلدي وطبقته

وهو من بيت العلم والحديث والدين

مات في حد الكهولة

418 سهل بن محمد بن سليمان بن موسى بن عيسى بن إبراهيم العجلي

الحنفي نسبا الأستاذ الكبير والبحر الواسع أبو الطيب الصعلوكي ولد الأستاذ أبي سهل

هو الفقيه الأديب مفتي نيسابور النجيب ابن النجيب الصعلوكي إلا أنه الغني الذي لا يسأل إلا ويجيب

ما أمه الطالب إلا وجده سهلا ولا أمله الراغب إلا وتلقاه بالبشر وقال له أهلا

جمع بين رياستي الدين والدنيا واتفق علماء عصره على إمامته وسيادته وجمعه بين العلم والعمل والأصالة والرياسة

يضرب المثل باسمه وتضرب أكباد الإبل للرحلة إلى مجلسه وكان يلقب شمس الإسلام

سمع أباه الأستاذ أبا سهل وبه تفقه وعليه تخرج ولديه ربي ومحمد بن يعقوب الأصم وأبا عمرو بن نجيد وأبا علي الرفاء وغيرهم

روى عنه الحاكم أبو عبد الله والحافظ أبو بكر البيهقي ومحمد بن سهل وأبو نصر الشاذياخي وآخرون

قال الشيخ أبو إسحاق كان فقيها أديبا جمع رياسة الدين والدنيا وأخذ عنه فقهاء نيسابور

وقال الحاكم الفقيه الديب مفتي نيسابور وابن مفتيها وأكتب من رأيناه من علمائها وأنظرهم

قال وقد كان بعض مشايخنا يقول من أراد أن يعلم النجيب ابن النجيب يكون بمشيئة الله تعالى فلينظر إلى سهل بن أبي سهل

واجتمع إليه الخلق اليوم الخامس من وفاة الأستاذ أبي سهل سنة تسع وستين وثلاثمائة

وقد تخرج به جماعة من الفقهاء بنيسابور وسائر مدن خراسان وتصدى للفتوى والقضاء والتدريس

قال وخرجت له الفوائد من سماعاته وحدث وأملى

قال وبلغني أنه وضع في مجلسه أكثر من خمسمائة محبرة عشية الجمعة الثالث والعشرين من المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة

وكان أبوه يقول سهل والد

ودخلت على الأستاذ في ابتداء مرضه وسهل غائب إلى بعض ضياعه وكان الأستاذ يشكو ما هو فيه فقال غيبة سهل أشد علي من هذا الذي أنا فيه

وسمعت الرئيس أبا محمد الميكالي يقول الناس يتعجبون من كتابة الأستاذ أبي سهل وسهل أكتب منه

وسمعت أبا الأصبغ عبد العزيز بن عبد الملك وانصرف إلينا من نيسابور ونحن ببخارى فسألناه ما الذي استفدت هذه الكرة بنيسابور

فقال رؤية سهل بن أبي سهل فإني منذ فارقت وطني بأقصى المغرب وجئت إلى أقصى المشرق ما رأيت مثله

وقال أبو عاصم العبادي هو الإمام في الأدب والفقه والكلام والنحو والبارع في النظر

وقال الحافظ الإمام أثير الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن غانم بن أبي زيد المقرىء في كتابه الذي سماه الكتاب الذي أعده شافعي في مناقب الإمام الشافعي سهل بن محمد الصعلوكي كان فيما قيل عالما في شخص وأمة في نفس وإمام الدنيا بالإطلاق وشافعي عصره بالإطباق ومن لو رآه الشافعي لقرت عينه وشهد أنه صدر المذهب وعينه وأنا إن شاء الله أذكر محاسن هذا الإمام في كتاب شفاء الصدور في طبقة الأصحاب ليقف على حاله الجاهل والعالم فإن فضائله أشهر وأكثر من أن يحملها هذا الموضع

انتهى

ذكره بعد أن أنشد الأبيات التي أنشأها المطوعي وسنذكرها

قلت وقد كتبت هذا من خط شيخنا الحافظ أبي العباس بن المظفر ولم يثبت أن الحافظ أثير الدين المشار إليه نقله من المطوعي في كتاب المذهب وأن المطوعي صنف الكتاب المذكور للإمام سهل المذكور

وأسند الحافظ ابن عساكر في كتاب التبيين إلى الحاكم أبي عبد الله قال سمعت الشيخ أبا الوليد حسان بن محمد فذكر حكاية ابن سريج والأبيات التي أنشدها في أنه عالم المائة الثالثة ثم كلام في سهل والأبيات التي أنشدت فيه وقد ذكرنا ذلك في ديباجة الكتاب والأبيات التي ذيلناها عليه فلا حاجة إلى الإعادة نعم نذكرها نظما في هذا المعنى الذي لم يسبق له ذكر فنقول وذكر أبو حفص عمر بن علي المطوعي في كتاب المذهب في ذكر مشايخ المذهب عن بعض أهل عصره

إنا روينا عن نبي الهدى ** في السنة الواضحة السامية

بأن لله أمرا قائما ** بالدين في كل تناهي مائة

فعمر الحبر حليف العلى ** قام به في المائة البادئة

والشافعي المرتضى بعده ** قرره في المائة الثانية

وابن سريج فراج له ** في المائة الثالثة التالية

والشيخ سهل عمدة للورى ** في المائة الرابعة الحالية

مات الأستاذ أبو الطيب في شهر رجب سنة أربع وأربعمائة بنيسابور

وقال أبو سعيد الشحام رأيته في المنام فقلت أيها الشيخ

فقال دع الشيخ

فقلت وتلك الأحوال التي شاهدتها

فقال لم تغن عنا

فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي بمسائل كانت تسأل عنها العجز

ومن الرواية عن الأستاذ سهل بن أبي سهل

أنبأنا المسند أبو التقى صالح بن مختار الإسنوي قراءة عليه وأنا أسمع بالقاهرة والخطيب عز الدين أبو عبد الله محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر سماعا عليه بقاسيون قالا أنبأنا أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي قال الأول سماعا وقال الثاني حضورا أنبأنا يحيى بن محمود الثقفي أخبرنا جدي الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي أخبرنا أبو نصر محمد بن سهل السراج حدثنا أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي حدثنا أبو سهل بشر بن يحيى المهرجاني حدثنا عبد الله بن ناجية حدثنا أحمد بن يحيى الجلاب حدثنا محمد بن الحسن عن سفيان عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله ‏(‏ إنما الحلم بالتحلم وإنما العلم بالتعلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه ‏)‏

ومن شعره وقد أنشده أبو عاصم في الطبقات

سلوت عن الدنيا عزيزا قبلتها ** وجدت بها لما تناهت بآمالي

علمت مصير الدهر كيف سبيله ** فزايلتها قبل الزوال بأحوالي

ومن كلامه ورشيق عباراته في حكمه وفي فتاويه

فمن حكيم كلامه من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه

وقد أورده العبادي في الطبقات في ترجمته عنه وفي ترجمة أبيه الأستاذ أبي سهل عنه

وقد قيل أخذه من منصور الفقيه حيث قال الكلب أغلى قيمة

البيتين اللذين قدمناهما في ترجمة منصور في الطبقة الثالثة

ومنه إاذ كان رضا الخلق معسورة لا يدرك كان ميسوره لا يترك

قلت أرشق منه قول الفقهاء الميسور لا يسقط بالمعسور

وهو مأخوذ من قول أفصح من نطق بالضاد ‏(‏ إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ‏)‏

ومنه إنما يحتاج إلى إخوان العشرة لزمان العسرة

ومن رشيق فتاويه أجاب وقد سئل عمن مات ولم توجد الوديعة في تركته هل يضمنها لا إن مات عرضا نعم إن مات مرضا

وعن لعب الشطرنج إذا سلم المال من الخسران والصلاة عن النسيان فذلك أنس بن الخلان كتبه سهل بن محمد بن سليمان

وقال مستدلا على أن وطء الثيب لا يمنع المشتري من الرد بالعيب إلمام من غير إيلام فلا يمنع قياسا على الاستخدام

ومن المسائل والفوائد عنه

قال ابن الصلاح روينا عن الإمام سهل أنه قال في قول النبي ‏(‏ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ‏)‏ أراد فضل ثريد عمرو العلى الذي عظم نفعه وقدره وعم خيره وبره وبقي له ولعقبه ذكره حتى قال القائل فيه

عمرو العلى هشم الثريد لقومه ** ورجال مكة مسنتون عجاف

سنت إليه الرحلتان كلاهما ** سفر الشتاء ورحلة الأضياف

قال ابن الصلاح أبعد سهل في تأويل الحديث والذي أراه أن معناه تفضيل ثريد كل طعام على باقي ذلك الطعام وسائر بمعنى باق وهو كذلك فإن خير اللحم حصل فيه فهو أفضل منه

قلت إذا كان يريد عمرو العلى في ذلك الزمان هو المشهور فما أبعد سهل بل ما قاله هو الصواب والألف واللام في الثريد تنصرف إلى المعهود والمعهود عندهم المشهور لديهم ثريد عمرو العلى

ثم أنت ترى البيت كيف أورده ابن الصلاح ورجال مكة مسنتون عجاف ومن خط شيخنا الحافظ الثبت أبى الحجاج المزي نقلته والقصيدة مكسورة الفاء فيحتاج حينئذ إلى التحمل والتأويل في كسر الفاء من عجاف وهي صفة لمسنتون الذي هو خبر رجال مكة والناس كذلك ينشدون البيت ويتشكلونه والذي رأيته في السيرة في أصول معتمدة صحيحة ما نصه

عمرو العلى هشم الثريد لقومه ** قوم بمكة مسنتين عجاف

سنت إليه الرحلتان كلاهما ** سفر الشتاء ورحلة الأضياف

وعزاهما ابن إسحاق لشاعر من قريش لم يعينه وعلى هذا لا إشكال فيه

فرع من باب الإقرار

عن الأستاذ أبي الطيب قال القاضي أبو سعد الهروي إن الشيخ أبا الطيب يعني سهلا الصعلوكي فيما أحسب وافق أبا حنيفة على أن من قال في جواب المدعي عليه بالغصب ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك يكون مقرا له بالغصب

والمجزوم به في الرافعي وشرح المنهاج للوالد أنه ليس بإقرار

وناقل هذه المقالة عن ابن الصعلوكي فيما أحسب هو القاضي أبو عاصم العبادي فتبعه تلميذه القاضي أبو سعد وقد وافق أبو الطيب أبا حنيفة في مسائل من هذا النوع ينكرها بعض أصحابنا أو كثير منهم

منها لو قال أعطني الألف التي لي عليك فقال نعم

وافق أبو الطيب الصعلوكي أبا حنيفة أنه إقرار

ومنها لو قال في الجواب لقد عممتني بهذا أو ما أكثر ما يتقاضاني به أو والله لأقضينك

وافق أبو الطيب أبا حنيفة على أنه إقرار

وفي الرافعي بعد أن نقل عن أبي حنيفة في هذه الصورة وما شابهها قوله بأنها إقرار إن أصحابنا مختلفون والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر

ولم يبين الأكثر الذي ميلهم إلى موافقته فيه

أما لو قال علي ألف إلا أن يبدو لي

فهل هو إقرار هذه المسألة ليست في الرافعي وحكى النووي فيها وجهين في زوائد الروضة عن العدة والبيان وقال لعل الأصح أنه إقرار

وجزم الشيخ الإمام الوالد في شرح المنهاج بتصحيحه فقال إقرار في الأصح والمشهور في المذهب المنصوص خلاف ما صححناه ولا نعرف ما صححناه عن أحد من أصحابنا إلا عن أبي الطيب الصعلوكي وهو معروف به وإنما أشار صاحبا العدة والبيان بالوجهين إلى قوله مع مقابله

قال القاضي أبو سعد في الإشراف إذا قال علي ألف إلا أن يبدو لي فهو استثناء صحيح نص عليه الشافعي وهو قول أبي حنيفة والشيخ أبو الطيب لم يصحح هذا الاستثناء فجعله بمنزلة علي عشرة إلا عشرة لأنه استثناء يدفع الجميع والشافعي قاسه على قوله إن شاء الله

وهو يمنع الوجوب

انتهى

فهذا المنقول في المسألة غير أن قياسها على إن شاء الله لا يتضح كل الوضوح فإن بينهما فارقا من جهة أن قوله إلا أن يبدو لي مع قوله على ألف مما يتهافت فإن ثبوت الشيء على المرء لا يتوقف على أن يبدو له بخلاف مشيئة الله

فلعل ما صححه النووي وشيخنا أوجه غير أن الظن أنهما لو اطلعا على أن المنصوص المشهور خلافه لوقفا عن التصحيح أو لأمعنا النظر في المسألة إمعانا زائدا فلا ينبغي أن يعتمد تصحيحها في هذه المسألة إلا بعد إحكام النظر

ونظير المسألة لو قال متى تقضي حقي فقال غدا

جعلها الرافعي مثل الصور التي قال أبو حنيفة إنها إقرار وأن الأصحاب مختلفون وميلهم إلى وفاقه في الأكثر أكثر والمقتصر على النظر في كلامه هذا يحسب أن الراجح عندنا في هذه الصورة أنها إقرار ومنقول المذهب أنها غير إقرار

قال القاضي أبو سعد يحتمل أنه أراد غدا في نار الله تعالى أقضي حقك لأنك ظلمتني في هذه الدعوى ويحتمل أجيب غدا أو غدا يتبين خطؤك

وقال القاضي يشرح الروياني يحتمل أن يريد غدا يكون غائبا أو ميتا

قلت وهب أنها احتمالات بعيدة إلا أن الإقرار يبنى على اليقين

ومنها لو قال أسرج دابة فلان هذه

قال نعم

أو أخبرني زيد أن لي عليك ألفا فقال نعم

قضية كلام الرافعي أنه إقرار وصريح كلام القاضي أبي سعد أنه على الخلاف وظاهره أن جادة المذهب أنه غير إقرار وأنه لا يقول بكونه إقرارا من أصحابنا غير أبي الطيب الصعلوكي وأنه وافق فيه أبا حنيفة فلينظر الناظر هذه الألفاظ وليشبعها فكرا وكشفا فإني لم أستوعب النظر فيها ولم أمعن فيها كتب المذهب ولا ينبغي لأحد أن يقتصر فيها على الرافعي والروضة فإن كلام من ذكرناه يدل على أن جادة المذهب على خلاف ما يفهمانه بحمد الله

3‏.‏

419 شبيب بن عثمان بن صالح الفقيه أبو المعالي الرحبي

من أهل رحبة الشام

سمع أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسن بن سعدون الموصلي وغيره

ورحل إلى بغداد في طلب العلم فسمع أبا الخطاب نصر بن أحمد بن البطر والحسين بن أحمد بن طلحة النعالي ورزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبا عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وغيرهم

وحدث بيسير

حدث عنه نصر بن ناصر الحدادي المراغي وغيره بشيء حدث به بالمدرسة التاجية ببغداد في جمادى الآخرة سنة ست وثمانين وأربعمائة

ومنه حكاية أبي إسحاق المروزي في الرجل البقلي في مسألة الاستثناء وقد قدمناها في ترجمة أبي إسحاق

قلت وشبيب هذا من تلامذة أبي منصور ابن أخي الشيخ أبي نصر بن الصباغ وهو مذكور في فتاوي ابن الصباغ أنه جمع شيئا من تلك الفتاوي

ورأيت لشبيب فوائد علقها من كلام ابن الصباغ غير ما في الفتاوي مما وقع لابن الصباغ في مناظرته وفوائد علقها أيضا من كتاب الكافي في شرح مختصر المزني لأبي الحسن الماوردي صاحب الحاوي

وأنا أذكر هنا نبذة مما انتقيته منها

قال شبيب نقلا عن الكافي للماوردي يجوز السلم في السلجم والجزر بعد قطع ورقه لأنه لا ضرر في قطعه وهو معه مجهول

قال شبيب قال الماوردي في الكافي إذا ادعى الشريك تلف المال يوم الجمعة فشهد شاهدان أنهما رأيا المال بعينه بعد الجمعة فوجهان أحدهما يلزمه غرم المال وإن حلف على كذبه لظهور كذبه

والثاني وهو قول ابن القاص إن شهدا قبل إحلافه حكم عليه بالغرم وإن شهدا بعده لم يبطل حكم يمينه إلا بعد سؤاله وإن ذكر وجها محتملا سلم به يمينه ولا تكذبه الشهادة حكم باليمين وبرأ به وإن لم يذكر غرم وسقط حكم اليمين

قال شبيب قال الماوردي في الكافي إذا قال لزيد علي درهم مع عمرو فله احتمالان

أحدهما أن يريد الإقرار لزيد بدرهم مع عمرو أي في يده

والثاني أن يريد الإقرار لهما بالدرهم

والأول أقوى فأيهما أراده قبل منه وإن لم يكن له إرادة لم يلزمه إلا اليقين

ومثله في الطلاق أن يقول يا هند أنت طالق مع زينب فتطلق هند ولا تطلق زينب إلا أن يريدها بالطلاق

وهكذا لو قال يا هند قد بنت مع زينب كأنه قال لهند دون زينب

قلت مسألة الإقرار ظاهرة وأما قوله إن لم يكن له إرادة لم يلزمه إلا اليقين فقد يقال لا يقين هنا وإن كان يعني باليقين لزوم الدرهم لزيد ففيه نظر لأنه إذا احتمل نصفين بين زيد وعمرو فالمتيقن نصف لزيد ونصف آخر متردد بينه وبين عمرو فينبغي أن يرجع إلى بيانه

وأما مسألة الطلاق فقد يقال إنها ليست كمسألة الإقرار لأن طلاق واحدة لا يكون مع الأخرى بل يتعين أن يقع عليها معا وقد يقال جاز كون طلاقها مع صاحبتها بمعنى أنها تؤدي خبره إليها ونحو ذلك وحينئذ فالمتيقن الوقوع على هند وأما زينب فيحتاج فيها إلى نية أخذا بالمتيقن

420 شعبان بن الحاج المؤذن أبو الفضل

من أهل شروان

قال ابن السمعاني كان إماما فاضلا زاهدا تفقه بآمل طبرستان على القاضي أبي ليلى بندار بن محمد البصري وعاد إلى بلده وانتفع الناس به فسمع من أبي بكر الطبري بآمل وفاطمة بنت الدقاق بنيسابور وغيرهما

مات سنة أربع وتسعين وأربعمائة

421 شهفور بن طاهر بن محمد الإسفرايني أبو المظفر

الإمام الأصولي الفقيه المفسر

ارتبطه نظام الملك بطوس

قال عبد الغافر وصنف التفسير الكبير المشهور وصنف في الأصول وسافر في طلب العلم

قال وسمع من أصحاب الأصم

قال وكان له اتصال مصاهرة بالأستاذ أبي منصور البغدادي

توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة

422 طاهر بن أحمد بن علي بن محمود المحمودي القايني

من بلدة قاين بفتح القاف والياء آخر الحروف بعد الألف وفي آخرها النون وهي قرية من طبسين بين نيسابور وأصبهان

هو الشيخ أبو الحسين

سمع الحديث بخراسان وغيرهما

فمن شيوخه أبو الفضل منصور بن نصر بن عبد الرحيم بن مت الكاغدي وأبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك الحافظ النيسابوري والفقيه ناصر العمري ويحيى بن علي بن الطبيب الدسكري وأبو الحسن بن رزقويه وغيرهم

روى عنه نصر الله المقدسي وأبو طاهر الجنائي وأبو الحسين بن الموازيني وهبة الله بن الأكفاني وآخرون

توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة

423 طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر

الإمام الجليل القاضي أبو الطيب الطبري

أحد حملة المذهب ورفعائه

كان إماما جليلا بحرا غواصا متسع الدائرة عظيم العلم جليل القدر كبير المحل تفرد في زمانه وتوحد والزمان مشحون بأخدانه واشتهر اسمه فملأ الأقطار وشاع ذكره فكان أكثر حديث السمار وطاب ثناؤه فكان أحسن من مسك الليل وكافور النهار

والقاضي فوق وصف الواصف ومدحه وقدره ربا على بسيط القائل وشرحه وعنه أخذ العراقيون العلم وحملوا المذهب

ولد القاضي بآمل طبرستان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة

وسمع بجرجان من أبي أحمد الغطريفي وقد وقع لنا جزء أبي أحمد من طريقه وبنيسابور من شيخه أبي الحسن الماسرجسي وببغداد من الحافظ أبي الحسن الدارقطني

وأسند عنه كثيرا في كتابه المنهاج ومن موسى بن عرفة والمعافى ابن زكريا وعلي بن عمر الحربي وغيرهم

روى عنه الخطيب البغدادي وأبو إسحاق الشيرازي وهو أخص تلامذته به وأبو محمد بن الآبنوسي وأبو نصر أحمد بن الحسن الشيرازي وأحمد ابن عبد الجبار الطيوري وأبو المواهب أحمد بن محمد بن ملوك وأبو نصر محمد ابن محمد بن محمد بن أحمد العكبري وأبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وأبو القاسم بن الحسين وخلق آخرهم موتا أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري

ذكره تلميذه الشيخ أبو إسحاق فقال فيما أخبرناه أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرنا ابن القواس أخبرنا الكندي إجازة أخبرنا أبو الحسن بن عبد السلام أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي قال ومنهم شيخنا وأستاذنا أبو الطيب توفي عن مائة وسنتين لم يختل عقله ولا تغير فهمه يفتى مع الفقهاء ويستدرك عليهم الخطأ ويقضي ويشهد ويحضر المواكب إلى أن مات

تفقه بآمل على أبي علي الزجاجي صاحب ابن القاص وقرأ على أبي سعد الإسماعيلي وعلى القاضي أبي القاسم بن كج بجرجان ثم ارتحل إلى نيسابور وأدرك أبا الحسن الماسرجسي وتبعه وصحبه أربع سنين ثم ارتحل إلى بغداد وعلق عن أبي محمد الباقي الخوارزمي صاحب الداركي

وحضر مجلس الشيخ أبي حامد ولم أر فيمن رأيت أكمل اجتهادا وأسد تحقيقا وأجود نظرا منه

شرح المزني وصنف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة ودرست أصحابه في مسجده سنين بإذنه ورتبني في حلقته وسألني أن أجلس في مسجد التدريس ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة أحسن الله تعالى عني جزاءه ورضي عنه

وقال الخطيب كان أبو الطيب ورعا عارفا بالأصول والفروع محققا حسن الخلق صحيح المذهب

اختلفت إليه وعلقت الفقه عنه سنين

وذكره أبو عاصم في آخر الطبقة السادسة وهو آخر مذكور في كتابه وقال فيه فاتحة هذه الطبقة شيخ العراق أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري

وقال أبو الحسن محمد بن محمد بن عبد الله القاضي ابتدأ القاضي أبو الطيب يدرس الفقه ويتعلم العلم وله أربع عشرة سنة فلم يخل به يوما واحدا إلى أن مات

وعن أبي محمد الباقي أبو الطيب الطبري أفقه من أبي حامد الإسفرايني

وقال القاضي أبو بكر الشامي قلت للقاضي أبي الطيب شيخنا وقد عمر لقد متعت بجوارحك فقال لم لا وما عصيت الله بواحدة منها قط

وعن القاضي أبي الطيب أنه رأى النبي المنام وقال له يا فقيه وأنه كان يفرح بذلك ويقول سماني رسول الله

وعن القاضي أبي الطيب خرجت إلى جرجان للقاء أبي بكر الإسماعيلي فقدمتها يوم الخميس فدخلت الحمام فلما كان من الغد لقيت أبا سعد ابن الشيخ أبي بكر فأخبرني أن والده قد شرب دواء لمرض كان به وقال لي تجيء في صبيحة غد فتسمع منه

فلما كان في بكرة السبت غدوت للموعد فسمعت الناس يقولون مات أبو بكر الإسماعيلي

وعن القاضي أبي الطيب رأيت النبي النوم فقلت يا رسول الله أرأيت من روى عنك أنك قلت ‏(‏ نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ‏)‏ الحديث أحق هو قال نعم

وكان القاضي أبو الطيب حسن الخلق مليح المزاح والفكاهة حلو الشعر

قيل إنه دفع خفه إلى من يصلحه فأبطأ به عليه وصار القاضي كلما أتاه يتقاضاه فيه يغمسه الصانع في الماء حين يرى القاضي ويقول الساعة أصلحه فلما طال على القاضي ذلك قال إنما دفعته إليه لتصلحه لا لتعلمه السباحة

وكان القاضي أبو الطيب قد ولي القضاء بربع الكرخ بعد موت القاضي الصيمري

فإذا أطلق الشيخ أبو إسحاق وشبهه من العراقيين لفظ القاضي مطلقا في فن الفقه فإياه يعنون كما أن إمام الحرمين وغيره من الخراسانيين يعنون بالقاضي القاضي الحسن والأشعرية في الأصول يعنون القاضي أبا بكر بن الطيب الباقلاني والمعتزلة يعنون عبد الجبار الأسداباذي

توفي القاضي يوم السبت ودفن يوم الأحد العشرين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة

ومن شعره رحمه الله تعالى

ألابس علم الفقه وهو مرامه ** شديد وفي إدراكه الكذ والكد

فتاويه ما بين المضيء طريقه ** وبين خفي في طرائفه جهد

إذا اجتهد المفتون فيه تباينوا ** فيدركه عمرو ويخطئه زيد

لقد كدني مأثوره وفروعه ** وتعليله والنقض والعكس والطرد

له شعب من كل علم تحوطه ** وما ليس منه فهو مستبعد رد

وعادته مذ لم يزل فقر أهله ** ومن كان ذا وجد فمن غيره الوجد

وأنى يكون اليسر منه وإنه ** لداع إلى الإقلال غايته الزهد

وكتب إليه استفتاء صورته

يأيها العالم ماذا ترى ** في عاشق ذاب من الوجد

من حب ظبي أهيف أغيد ** سهل المحيا حسن القد

فهل ترى تقبيله جائزا ** في النحر والعينين والخد

من غير ما فحش ولا ريبة ** بل بعناق جائز الحد

إن أنت لم تفت فإني إذا ** أصيح من وجدي وأستعدي

فأجاب

يأيها السائل إني أرى ** تقبيلك المعشوق في الخد

يفضي إلى ما بعده فاجتنب ** قبلته بالجد والجهد

فإن من يرتع حول الحمى ** يوشك أن يجني من الورد

تغنيك عنه كاعب ناهد ** تحضر بالملك أو العقد

تنال منها كل ما تشتهي ** من غير ما فحش ولا صد

هذا جوابي لقتيل الهوى ** فلا تكن في ذاك تستعدي

ومن شعره

لا تحسبن سرورا دائما أبدا ** من سره زمن ساءته أزمان

لا تغترر بشباب آنق خضل ** فكم تقدم قبل الشيب شبان

ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ** يكن لمثلك في اللذات إمعان

هب الشبيبة تملى عذر صاحبها ** ما عذر شيب ليستهويه شيطان

أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بقراءتي عليه أخبرنا علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري إجازة أخبرنا الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي إجازة أخبرنا الحافظ أبو الفضل بن ناصر إجازة أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ابن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه قال أخبرنا القاضي الإمام أبو الطيب طاهر ابن عبد الله بن طاهر الطبري كان ابن بابك الشاعر دخل الدينور وكان يتفقه عند أبي الحسين القطان مع القاضي أبي القاسم بن كج في مجلس أبي الحسين القطان فعاتبه القاضي أبو القاسم بن كج على ترك الفقه واشتغاله بالأدب وقال له والدك يحثك على الفقه ويحبه فتركت ما كان أبوك يختاره واشتغلت بغيره فعملت قصيدة سألني إنشادها في مجلسه عليه

أناها أيها القاضي الجليل ** فقد كشف التأمل ما أقول

رأيت الشرع مسموعا مؤدى ** تناقله البصائر والعقول

تحلى الشرب من سوم المبادي ** عليه لكل مجتهد دليل

تراض له القرائح وهي شوس ** وتدركه العرائد وهي ميل

إذا استفتيت فيه وأنت صدر ** يقلدك الورى فيما تقول

أحلت على نصوص واضحات ** أتاك بها كتاب أو رسول

ونظم الشعر ممتنع الدواعي ** فليس إلى مضايقه وصول

إذا التنزيل أشكل منه لفظ ** فشاهد ذلك الشعر المقول

ينال به الغنى طورا وطورا ** ينال به الطوائل والدخول

تسالمه الملوك وتتقيه ** وذاك لعمرك الخطب الجليل

فلولا الحمد ما زكت الأيادي ** ولولا الذم ما عرف البخيل

وقد ذكر امرأ القيس بن حجر ** فأسهب في مناقبه الرسول

وحمله لواء الشعر حتى ** تجاذب شهادة لا تستحيل

وأخبر أن في التبيان سحرا ** وتلك شهادة لا تستحيل

وقد مدح النبي بهن حتى ** جرى في ماء بهجته القبول

بشعر يسترق به الغواني ** وتعبث في مناسبه الشمول

وما أسرى إلى الأعداء إلا ** تقدمه من الشعراء جيل

ولا انتمت الرياح إلى قراها ** ولا انتسبت إلى العتق الخيول

ولا وصف الكمي إذا تلوث ** عجاجته ولا ندب القتيل

إذا كرم الفتى أو عز بأسا ** فبالتقريظ ينعم أو يديل

وما يعصون عن ذل ولكن ** جبال الثلج تجرفها السيول

ويملك أنفس العظماء قهرا ** ويملكنا الرحيق السلسبيل

يصانع بالصواهل والغواني ** ويبرز عند ذي الصل الجزيل

فزاد الشاعر النعم الصوافي ** وزاد العالم الصبر الجميل

وإن تكن القيامة وعد قوم ** فللعشرات يومئذ مقيل

فقصرك لا تطل عيب ابن ود ** رماك بطيبة البرق المحيل

إذا فتشت عنه رأيت شخصا ** له في كل سارحة مثول

بخير عناية أجرى إليها ** فأدركها وليس له رسيل

يكد بها غني أمل قصير ** وذيل من مناصبة طويل

وجدت أبي أخا مال صحيح ** يسف وراءه وهن عليل

لمعمعة على تغيير سم ** كما يتعظم الفحل الصؤول

ينبهني وناظره سؤوب ** ويشحذني وخاطره كليل

ظفرت بمرمق عبقت شذاه ** إليه وأعين الرائين حول

ولم أحرز عليه بذاك عارا ** بلى عار الغبينة لا يزول

حميت مرابضي ونباح كلبي ** فما الركب عن أرضي قفول

يجوز إذا أردت أسود برج ** وينفر عن شقاشقتي الفحول

إذا الملك اشرأب إلى ثنائي ** فعمت فرفضت منه الشمول

فدونك نفثة المصدور واسلم ** فأنت لكل مرتزق وكيل

إذا ما الدهر أيسر كل راج ** فأنت بنجعة الراجي كفيل

إذا ما عم أهل الأرض طرا ** نداك فقد بدأت بمن تعول

جعلت البشر والإحسان دينا ** فما ينفك ينفس أو يسيل

فأنت لكل ذي قرة حميم ** وأنت لكل ذي ود خليل

كأن الأرض دارك حين تدني ** قرانا وأهلها ركب نزول

بنيت الأمر حتى كل واد ** بمهبطه مبيت أو مقيل

أعرت الأرض زينتها فجاست ** خلال رياضها الريح القبول

ودان لك الملوك فكل دان ** وقاص صادر عما تقول

فأنت الحاكم العدل التقي ** العالم البر الوصول

قال القاضي أبو الطيب فقال القاضي أبو القاسم بن كج أجب عنه ورد عليه فأجبت عليه بهذا

بإذنك أيها القاضي الجليل ** أرد على ابن بابك ما يقول

ولولا مدخل المأثور فيه ** ورغبة شاعر فيما تنيل

لما أطرقت سمعك منه حرفا ** رأيت به إليه أستقيل

وصنتك عن مقالة مستبد ** برأي لا يساعده القبول

وشعر أشعر الإنحاس منه ** وخطب ضمه قال وقيل

فكم للقاك منه كل يوم ** صداع من أذاه لا يزول

وكم فيه قواف صادرات ** عن الفقهاء أصدرها الذحول

وعذري في روايته جميل ** وأرجو أن يكون له قبول

ذممت طريقه ونصحت فيه ** فأحرج صدره النصح الجميل

وشق عليه إن الحق مر ** على الإنسان مورده ثقيل

يعظم بين أهل الشرع شعرا ** ويزعم أنه علم جليل

ويمدحه ويغلو في هواه ** ويعلم أنه فيه محيل

لأن الله ذمهم جميعا ** وأنزل فيه ما وضح الدليل

ولو كان الفضيلة كان منها ** لأفضل خلقه الحظ الجزيل

ولما أن نهاه الله عنه ** علمت بأنه نزر قليل

فكيف تساويا والفقه أصل ** موثق من معاقده الأصول

به عبد الإله وكان فيه ** صلاح الكل والدين الأصيل

إذا عدل المكلف عنه يوما ** أضل طريقه ذاك العدول

وإن لزم الحفاظ عليه أولي ** نعيما ما لآخره أفول

كفى الفقهاء أنهم هداة ** وأعلام كما كان الرسول

مدار الدين والدنيا عليهم ** وفرض الناس قولهم المقول

وأما الشعر مدح أو هجاء ** وأعظم ما يراد به الفضول

لذلك موضع الشعراء أقصى ** مجالسنا وموقفهم ذليل

كفاه أنه يهجو أباه ** وقد رباه وهو له سليل

يصول بهجوه ويقول فيه ** مقالا ما له منه مقيل

وجدت أبى أخا مال صحيح ** يسف وراءه وهن عليل

ينبهني وناظره متور ** ويشحذني وخاطره كليل

ولو سمعت به أذنا أبيه ** نفاه وهو والده الوصول

على أني رأيت الشعر سهلا ** مآخذه بلا تعب يطول

يحس إذا اجتباه المرء طبعا ** تساوى الحبر فيه والجهول

وعلم الفقه معتاص المعاني ** يقصر دونها البطل الصؤول

ومن هذا ابن بابك فر منه ** وولى فهمه وبه فلول

رأى بحرا ولم ير منتهاه ** بعيد الغور ليس له وصول

ولو عاناه كان الله عونا ** وعون الله في هذا كفيل

يقرب ما تباعد منه حدا ** ويسهل من بوارقه السقيل

فهذا عينه فيما حباه ** ومدحك بغيتي فيما أقول

نوالك للورى غيث هطول ** وجاهك منهم ظل ظليل

عممت الكل بالنعما فأضحوا ** يؤمك منهم جيل فجيل

وسار بعلمك الركبان حتى ** له في كل ناحية نزول

لسانك في خصومك مستطيل ** ورأيك فيهم سيف صقيل

إذا ناظرتهم كانوا جميعا ** ثعالب بينها أسد يصول

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ بقراءتي عليه أخبرتنا ست الأهل بنت علوان بن سعيد وأبو الحسن النوسي قالا أخبرنا أبو البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الرزاق بن نصر بن مسلم النجار قراءة عليه غير مرة أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين بن الحنيفر بن علي السلمي أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي إجازة أخبرنا أبو مسلم محمد بن أحمد بن علي البغدادي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن ابن دريد حدثني الحسن بن خضر أخبرني رجل من أهل بغداد عن أبي هاشم المذكر قال أردت البصرة فجئت إلى سفينة أكتريها وفيها رجل ومعه جارية فقال الرجل ليس ها هنا موضع فسألته أن يحملني

مناظرة جرت ببغداد في جامع المنصور نفعنا الله به

بين شيخي الفريقين القاضي أبي الطيب وأبي الحسن الطالقاني قاضي بلخ من أئمة الحنفية

سئل القاضي أبو الحسن عن تقديم الكفارة على الحنث فأجاب بأن ذلك لا يجزىء وهو مذهبهم فسئل الدليل فاستدل بأنه أدى الكفارة قبل وجوبها وقبل وجود سبب وجوبها فوجب ألا تجزئه كما لو أخرج كفارة الجماع بعد الصوم وقبل الجماع وأخرج كفارة الطيب واللباس بعد الإحرام وقبل ارتكاب أسبابها

فكلمه القاضي أبو الطيب ناصرا جواز ذلك كما هو مذهب الشافعي وأورد عليه فصلين أحدهما مانعه الوصف فقال لا أسلم أنه لم يوجب سبب وجود الكفارة فإن اليمين عندي سبب فاليمينية مثبتة في الحالين على هذا الأصل

والثاني أنه يبطل بما إذا أخرج كفارة القتل بعد الجرح وقبل الموت فإنه أخرجها قبل وجوبها وقبل وجود سبب وجوبها ثم يجزئه

أجاب القاضي أبو الحسن بأن قال أنا أدل على الوصف ويدل عليه أن اليمين يمنع الحنث وما منع من السبب الذي تجب به الكفارة لم يجز أن يكون سببا لوجوبها كالصوم والإحرام لما منعا السبب الذي تجب عنده الكفارة من الوطء وغيره لم يجز أن يقال إنهما سببان في إيجابها كذلك هاهنا مثله

فأجاب القاضي أبو الطيب عن هذا الفصل أيضا وقال لا أسلم أن اليمين يمنع الحنث فقال أنا أدل عليه والدليل عليه قوله عز وجل ‏{‏وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ‏}‏ وهذا أمر بحفظ اليمين وترك الحنث وعلى أن اليمين إنما وضعت للمنع لأن الإنسان إنما يقصد باليمين منع نفسه من المحلوف عليه فهو بمنزلة ما ذكرت من الصوم والإحرام في منع الجماع وغيره ويدل على ذلك أن الكفارة وضعت لتغطية المآثم وتكفير الذنوب واسمها يدل على ذلك ولذلك قال النبي ‏(‏ الحدود كفارات لأهلها ‏)‏ وإنما سماها كفارة لأنها تكفر الذنوب وتغطيها ومعلوم أنه لا يأثم في نفس الأمر أي في اليمين فيحتاج إلى تغطية لأن النبي كانوا يحلفون وروي أن النبي ‏(‏ والله لأغزون قريشا ‏)‏ وأعادها ثلاثا ثم قال ‏(‏ إن شاء الله تعالى ‏)‏ ونحن نعلم أنه لا يجوز في صفته أصحابه أن يقصدوا إلى ما يتعلق الإثم به إلى الكفارة فثبت أنه لا إثم عليه في اليمين وإذا لم يكن في اليمين إثم وجب أن يكون ما يتعلق به من الكفارة موضوعة لتكفير الإثم المتعلق بالحنث وهذا يدل على أنه ممنوع من الحنث غير أن من جملة الأيمان ما نقضها أولى من الوفاء بها وذلك إذا حلف لا يصلي فقد ابتلى ببلاءين بين أن يفي بيمينه فيأثم بترك الصلاة وبين أن ينقض يمينه فيحنث فيأثم بالمخالفة وللمخالفة بدل يرجع إليه وليس لترك الصلاة بدل يرجع إليه وعلى هذا يدل قوله ‏(‏ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ‏)‏ فشرط في الحنث أن يكون فعله خيرا من تركه

وأما الفصل الثاني وهو النقض فلا يلزمني لأني قلت لم يوجد سببها وهناك قد وجد سببها وذلك أن الجرح سبب في إتلاف النفس وهذا سبب الإثم والكفارة وجبت لتكفير الذنب وتغطية الإثم والجرح سبب الإثم فإذا وجد جاز إخراج الكفارة

وتكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول فقال أما اليمين فلا يجوز أن تكون مانعة من المحلوف عليه فلا يجوز أن تكون مغيرة لحكمه بل إذا كان الشيء مباحا فهو بعد اليمين باق على حكمه وإن كان محظورا فهو بعد اليمين باق على حظره يبين صحة هذا أنه لو حلف أنه لا يشرب الماء لم يحرم عليه شرب الماء ولم يتغير عن صفته في الإباحة وكذلك لو حلف ليقتلن مسلما لم يحل له قتله ولم يتغير القتل عن صفة التحريم وهذا لا أجد فيه خلافا بين المسلمين وعلى هذا يدل قول الله عز وجل ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ‏}‏ ثم قال ‏{‏قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ‏}‏ فعاتبه الله على كل تحريم

ويدل عليه أيضا قوله ‏(‏ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ‏)‏ وهذا يدل على ما ذكرناه من أن اليمين لا تغير الشيء عن صفته في الإباحة والتحريم ويبين صحة هذا أن النبي نزل قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏}‏ كفر عن يمينه وروي أنه آلى من نسائة شهرا ولم يحنث فدل على أن الإباحة كانت باقية على صفتها

وأما قوله تعالى ‏{‏وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ‏}‏ فإنما أراد به الأمر بتقليل اليمين حفظا كما قال الشاعر

قليل الألايا حافظ ليمينه ** وإن بدرت منه الألية برت

ومعلوم أنه لم يرد حفظ اليمين من الحنث والمخالفة لأن ذلك قد ذكره في المصراع الثاني فثبت أنه أراد بذلك التقليل

وأما قوله إن اليمين موضوعة للمنع فلا يجوز أن تكون سببا لما يتعلق به الكفارة فباطل لما لو قال لامرأته إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت طالق فإنه قصد المنع بهذه اليمين من الدخول ثم هي سبب فيما يتعلق بها من الطلاق ولهذا قال أبو حنيفة لو شهد شاهدان على رجل أنه قال لامرأته إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت طالق وشهد آخران أنها دخلت الدار ثم رجعوا عن الشهادة إن الضمان يجب على شهود اليمين وهذا دليل واضح على أن اليمين هو السبب لأنها لو لم تكن سببا في إيقاع الطلاق لما تعلق الضمان عليهم فلما أوجب الضمان على شهود اليمين علم أن اليمين كانت سببا في إتلاف البضع وإيقاع الطلاق فانتقض ما ذكرت من الدليل

وأما قولك إن الكفارة موضوعة لتغطية المآثم ورفع الجناح فلا يصح وكيف يقال إنها تجب لهذا المعنى ونحن نوجبها على قاتل الخطأ مع علمنا أنه لا إثم عليه وكذلك تجب على اليمين ولا إثم عليه وأما النقض فلازم وذلك أن الجرح لا يجوز أن يكون سببا لإيجاب الكفارة وإنما السبب في إيجابها فوات الروح والذي يبين صحة

هذا هو أنه لو جرحه ألف جراحة فاندملت لم تجب عليه الكفارة فثبت أن الكفارة تتعلق بالقتل وأن الجرح ليس بسبب ولا جزء من السبب ثم جوزنا إخراج الكفارة فدل على ما قلناه

فأجاب القاضي أبو الحسن الطالقاني عن الفصل الأول بأن قال أما قول القاضي الإمام أدام الله تأييده إن اليمين لا يغير الشيء عن صفته في الإباحة بل يبقى الشيء بعد اليمين على ما كان عليه قبل اليمين فهو كما قال واليمين لا تثبت تحريما فيما لا يحرم على ما كان عليه قبل اليمين فهو كما قال واليمين لا تثبت تحريما فيما لا يحرم ولكنها لا توجب منعا والشيء تارة يكون المنع منه لتحريم عينه كما نقول في الخمر والخنزير إنه يمتنع بيعهما لتحريم أعيانهما وتارة يمتنع منه لمعنى في غيره كما يمنع من أكل مال الغير بحق ماله لأن الشيء في نفسه غير محرم فكذلك هاهنا

فداخله القاضي أبو الطيب في هذا الفصل فقال فيجب أن نقول إنه يأثم بشرب الماء كما يأثم بتناول مال الغير بغير إذنه

فقال هكذا أقول إنه يأثم بشربه كما يأثم بتناول الغير

وأما قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ‏}‏ فهو الحجة عليه لأن الله تعالى أخبر أنه حرمها على نفسه وهذا يدل على إثبات التحريم وما ذكرناه من تأويل الآية وحملها على تقليل اليمين وتركها فهو خلاف الظاهر وذلك أن الآية تقتضي حفظ يمين موجودة وإذا حملناها على ما ذكر من ترك اليمين كان ذلك حفظا لمعنى غير موجود فلا يكون ذلك حملا للفظ على غير ظاهره وحقيقته ومراعاة الظاهر والحقيقة أولى

وأما الشعر فلا حجة فيه لأن الحفظ هناك أراد به الحفظ من الحنث والمخالفة

وقوله إن الحفظ من المخالفة والحنث قد علم من آخر البيت لا يصح لأنه إذا حمله على تقليل اليمين حمل أيضا على ما علم من أول البيت لأنه قال قليل الألايا فقد تساوينا في الاحتجاج بالبيت واشتركنا في الاستشهاد به على ما يدعيه كل واحد منها من المراد به

وأما الدليل الثاني الذي ذكرته فهو صحيح وقوله إن هذا يبطل بمسألة اليمين في الطلاق فلا يلزم وذلك أن السبب هناك هو اليمين لأن الطلاق به يقع ألا ترى أنه يفصح في اليمين بإيقاع الطلاق فيقول إن دخلت الدار فأنت طالق وإنما دخل الشرط لتأخير الإيقاع لا لتغييره ولذلك قالوا الشرط يؤخر ولا يغير فحين كان الطلاق واقعا باليمين كانت هي السبب فكان الضمان على شهودها لأن الإيقاع حصل بشهادتهم وأما في مسألتنا فاليمين ليس في لفظها ما يوجب الكفارة فلم يجز أن تكون سببا في إيجابها

وأما الدليل الثالث من أن الكفارة تجب مع عدم المأثم وهو في قتل الخطأ ويجب في اليمين على الناس والمكره وعندنا لا إثم على واحد منهم فلا يصح وذلك أن في هذه المواضع ما وجبت إلا لضرب من التفريط وذلك أن الخاطىء هو الذي يرمي إلى غرض فيصيب رجلا فيقتله أو يرمي رجلا مشركا ثم يتبين أنه كان مسلما فتجب عليه الكفارة لأنه قد اجترأ عليه بظنه في هذه المواضع وترك التحرز في الرمي وإذا أصاب مسلما فقتله علمنا أنه فرط وترك الاستظهار في الرمي فكان إيجاب الكفارة لما حصل من جهته من التفريط ولهذا قال تعالى في كفارة قتل الخطأ ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ‏}‏ وهذا يدل على أن كفارة قتل الخطأ على وجه التطهير والتوبة

وأما الفصل الثاني وهو النقض فلا يلزم وذلك أن الجرح هو السبب في فوات الروح وإذا وجد الجرح وسرى إلى النفس استند فوات الروح إلى ذلك الجرح فصار قاتلا به فيكون الجرح سبب إيجاب الكفارة

وتكلم القاضي أبو الطيب الطبري على الفصل الأول بأن قال قد ثبت أن اليمين لا يجوز أن يغير صفة المحلوف عليه

ودللت عليه بما ذكرت

ولنا قولك إنما يوجب المنع من فعل المحلوف عليه فإذا فعل فكأنه أثم فكأني أدلك في هذا الإجماع وذلك أني لا أعلم خلافا للأئمة أنه إذا حلف لا يشرب الماء أو لا يأكل الخبز أنه يجوز الإقدام وأنه لا إثم عليه في ذلك وهذا القدر منه فيه كفاية والذي يبين فساد هذا وأنه لا يجوز أن يكون فيه إثم هو أن النبي من نسائه وكفر عن يمينه ولا يجوز أن ينسب للنبي فعل ما أثم عليه

وأما الآية التي استدل بها فقد ثبت تأويلها وأن المراد بها ترك اليمين

وقوله إن هذا يقتضي حفظ يمين موجودة فلا يصح لأنه يجوز أن يستعمل ذلك فيما ليس بموجود ألا ترى أنهم يقولون احفظ لسانك والمراد به احفظ كلامك والكلام ليس موجودا والدليل على أنهم يريدون به احفظ كلامك قول الشاعر

احفظ لسانك لا تقول فتبتلى ** إن البلاء موكل بالمنطق

والذي يدل على صحته ما ذكرت من الشعر وهو قوله

قليل الألايا حافظ ليمينه **

وقولك في ذلك أراد به حفظ اليمين من الحنث والمخالفة فقد ثبت أن ذلك قد بينه في آخر البيت بقوله

وإن بدرت منه الألية برت **

فلا يجوز حمل اللفظ على التكرار إذا أمكن حمله على غير التكرار

وقولك إن مثل هذا يلزمك في تأويلك فلا يصح لأن قوله

قليل الألايا حافظ ليمينه **

جملة واحدة والمراد به معنى واحد والثاني منهما يفسر الأول والذي يدل عليه أنه لم يعطف أحدهما على الآخر وليس كذلك ما ذكرت من الدليل في المصراع الثاني لأن هناك استأنف الكلام وعطف على ما قبله بالواو فدل على أن المراد به معنى غير الأول وهو الحفظ من الحنث والمخالفة فلا يتساوى في الاحتجاج بالبيت

وما ذكرت من الدليل الثاني أن اليمين قد يمنع الحنث فقد نقضته باليمين بالطلاق المعلق على دخول الدار وهو نقض لازم وذلك أن وقوع الطلاق يوجب الحنث كالكفارة من جهة الحنث فإذا كان الطلاق الواقع بالحنث يستند إلى اليمين فيجب ما يتعلق به من الضمان على شهود اليمين بحيث دلك أن تكون الكفارة الواجبة بالحنث تستند إلى اليمين فيتعلق وجوبها بها فيكون اليمين والحنث بمنزلة الحول والنصاب حيث كانا سببين في إيجاب الزكاة إذا وجد أحدهما حال إخراج الزكاة قبل وجود السبب الآخر

وأما انفصالك عنه بأن الطلاق مفصح به في لفظ اليمين فكان واقعا وإنما دخل الشرط لتأخير ما أوقعه باليمين فلا يصح وذلك أنه إذا كان الطلاق مفصحا به في لفظ الحالف فالكفارة في مسألتنا مضمنة في اليمين بالشرع وذلك أن الشرع علق الكفارة على ما علق الحلف بالطلاق الطلاق عليه فيما علق به الطلاق بالتزامه وعقده فوجب أن تتعلق به الكفارة في الشرع في اليمين بالله عز وجل

فداخله القاضي أبو الحسن بأن قال من أصحابنا من قال إن الزكاة تجب بالنصاب والحول تأجيل والحقوق المؤجلة يجوز تعجيلها كالديون المؤجلة

فقال له القاضي أبو الطيب هذا لا يصح وذلك أن الزكاة لو كانت واجبة بالنصاب وكان الحول تأجيلا لها لوجب إذا ملك أربعين شاة فعجل منها شاة قبل الحول وبقي المال ناقصا إلى آخر الحول أن يجزئه لأن النصاب كان موجودا حال الوجوب ولما قلتم إذا حال الحول والمال باق على نقصانه عن النصاب أنه لا يجزئه وجعلتم العلة فيه أنه إذا جاء وقت الوجوب وليس عنده نصاب دل على أن الوجوب عند حلول الحول لا ملك النصاب

وأما دليلك الثالث على هذا الفصل فقد بينا بطلانه بما ذكرناه من أن الخاطىء والناسي

وقولك إن الخاطىء أيضا ما وجب عليه إلا لضرب من التفريط حصل من جهته فلا يصح لأن ألزمك ما لا تفريط فيه وهو الرجل إذا رمى وسدد الرمي ورمى وعرضت له ريح فعدلت بالسهم إلى رجل فقتلته أو رمى إلى دار الحرب فأصاب مسلما فإن الرمي مباح مطلق والدار دار مباحة ولهذا يجوز مباغتتهم ليلا ونصب المنجنيق عليهم ولا يلزم التحفظ مع إباحة الرمي على الإطلاق ثم أوجبنا عليه الكفارة فدل على أنه ليس طريق إيجابنا الكفارة ما ذكروه من الإثم

ويدلك على ذلك أن الناسي ليس من جهته تفريط ولا إثم وكذلك من استكره عليه ولهذا قال ‏(‏ عفا الله لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‏)‏ ثم أوجب عليهم الكفارة

فدل هذا كله على ما ذكرت

على أنه لا اعتبار في إيجاب الكفارة بالإثم والتفريط ويبين صحة هذا لو حلف لا يطيع الله تعالى أوجبنا عليه الحنث والمخالفة وألزمناه الكفارة ومن المحال أن تكون الكفارة واجبة للإثم وتغطية الذنب ثم نوجبها في الموضع الذي نوجب عليه أن يحنث وأما النقض فلم يجز فيه أكثر مما تقدم

فأحاب القاضي أبو الحسن الطالقاني عن الفصل الأول بأن قال أما ادعاء الإجماع فلا يصح لأن أصحابنا كلهم مخالفون ولا نعرف إجماعا دونهم

وأما تأويل الآية على ترك اليمين فهو مجاز لأن حفظ اليمين يقتضي وجود اليمين وقولهم احفظ لسانك إنما قالوه لأنهم أمروه بحفظ اللسان واللسان موجود وهاهنا اليمين التي تأولت الآية عليها غير موجودة

وما ذكروه من الشعر فقد ذكرت أنه مشترك الاحتجاج

وما ذكروه من العطف فلا يصح لأنه يجوز الجمع بالواو كما يجوز بغيرها

وأما الدليل الثاني فلا يلزم عليه ما ذكرت من اليمين بالطلاق وذلك أن الإيقاع هناك باليمين ولهذا أفصح به في لفظ اليمين وأفصح به شهود اليمين وأما الدخول فهو شرط يوجب التأخير فإذا وجد الشرط وقع الطلاق باليمين ويكون كالموجود حكما في حال الوقوع وهو عند الشرط ولهذا علقنا الضمان عليه وأما في مسألتنا فإن لفظ اليمين لا يوجب الكفارة ألا ترى أنه لو قال ألف سنة والله لأفعلن كذا

لم يجب عليه كفارة وإذا لم يكن في لفظه ما يوجب الكفارة وجب أن نقف إيحابها على ما تعلق المنع منه وهو الحنث والمخالفة

وأما مسألة الزكاة فلا تصح لأنه يجوز أن يكون الوجوب بملك النصاب ثم يسقط هذا الوجوب بنقصان النصاب في آخر الحول ومثل هذا لا يمتنع على أصولنا ألا ترى أن من صلى الظهر في بيته صحت صلاته فإذا سعى إلى الجمعة ارتفعت وورد عليه بعد الحكم بصحتها ما نقضها كذلك في مسألة الزكاة لا يمتنع أن يكون مثله

وأما الدليل الثالث فهو صحيح وما ذكروه من تسديد الرمي والرامي إلى دار الحرب فلا يلزم وذلك أن القاضي أعزه الله إن فرض الكلام في هذا الموضع فرضت الكلام في الغالب منها والعام والغالب أن القتل الذي يوجب الكفارة لا يكون إلا بضرب من التفريط فإن اتفق في النادر من يسدد الرمي وتحفظ ثم يقتل من تجب الكفارة بقتله فإن ذلك نادر والنادر من الجملة يلحق بالجملة اعتبارا بالغالب

وأما الناسي ففي حقه ضرب من التفريط وهو ترك الحفظ لأنه كان من سبيله أن يتحفظ فلا ينسى فحيث لم يفعل ذلك حتى نسي فقتل أوجبنا عليه الكفارة تطهيرا له على أنه قد قيل إنه كان في شرع من قبلنا حكم الناسي والعامد والنائم سواء فرحم الله هذه الأمة ببركة النبي المأثم عن الناسي وأوجب الكفارة عليه بدلا عن الإثم فلا يجوز أن تكون الكفارة موضوعة لرفع المأثم

وأما قوله إنه لو حلف أن لا يطيع الله فإنا نأمره بالحنث فلا يجوز أن نأمره ثم نوجب عليه الكفارة على وجه تكفير الذنب فلا يصح لأني قد قدمت في صدر المسألة من الكلام ما فيه جواب عن هذا وذلك أن الكفارة تجب لتكفير المأثم غير أنه قد يكون من الأيمان ما نقضها أولى من الوفاء بها وذلك أن يحلف على ما لا يجوز من الكفر وقتل الوالدين وغير ذلك من المعاصي فيكون الأفضل ارتكاب أدنى الأمرين وهو الحنث والمخالفة لأنه يرجع من هذا الإثم إلى ما يكفره ولا يرجع في الآخر إلى ما يكفره فيجعل ارتكاب الحنث أولى لما في الارتكاب من الإثم المغلظ والعذاب الشديد وعلى هذا قوله ‏(‏ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ‏)‏

مناظرة أخرى بين أبي الحسين القدوري من الحنفية والقاضي أبي الطيب الطبري

استدل الشيخ أبو الحسين القدوري الحنفي في المختلعة أنه يلحقها الطلاق بأنها معتدة من طلاق فجاز أن يلحقها ما بقي من عدد الطلاق كالرجعية

فكلمه القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي وأورد عليه فصلين أحدهما أنه قال لا تأثير لقولك معتدة على طلاق لأن الزوجة ليست بمعتدة ويلحقها الطلاق فإذا كانت المعتدة والزوجة التي ليست بمعتدة في لحاق الطلاق سواء ثبت أن قولك المعتدة

لا تأثير له ولا يتعلق الحكم به ويكون تعليق الحكم على كونها معتدة كتعليقه على كونه متظاهرا منها وموليا عنها ولما لم يصح تعليق طلاقها على العدة كان حال العدة وما قبلها سواء ومن زعم أن الحكم يتعلق بذلك كان محتاجا إلى دليل يدل على تعليق الحكم به

وأما الفصل الثاني فإن في الأصل أنها زوجة والذي يدل عليه أنه يستبيح وطأها من غير عقد جديد فجاز أن يلحقها ما بقي من عدد الطلاق

وفي مسألتنا هذه ليست بزوجة بدليل أنه لا يستبيح وطأها من غير عقد جديد فهي كالمطلقة قبل الدخول

تكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بوجهين أحدهما أنه قال لا يخلو القاضي أيده الله تعالى في هذا الفصل من أحد أمرين إما أن يكون مطالبا بتصحيح العلة والدلالة على صحتها فأنا ألتزم بذلك وأدل لصحته ولكنه محتاج ألا يخرج المطالبة بتصحيح العلة والدلالة على صحتها مخرج المعترض عليها بعدم التأثير أو يعترض عليها بالإفساد من جهة عدم التأثير فإذا كان الإلزام على هذا الوجه لم يلزم لأن أكثر ما في ذلك أن هذه العلة لم تعم جميع المواضع التي يثبت فيها الطلاق وأن الحكم يجوز أن يثبت في موضع مع عدم هذه العلة وهذا لا يجوز أن يكون قادحا في العلة مفسدا لها يبين صحة هذا أن علة الربا التي يضرب بها الأمثال في الأصول والفروع لا تعم جميع المعلولات لأنا نجعل العلة في الأعيان الأربعة الكيل مع الجنس ثم نثبت الربا في الأثمان مع عدم هذه العلة ولم يقل أحد ممن ذهب إلى أن علة الربا معنى واحد إن علتكم لا تعم جميع المعلولات ولا تتناول جميع الأعيان التي يتعلق بها تحريم التفاضل فيجب أن يكون ذلك موجبا لفسادها فإذا جاز لنا بالاتفاق منا ومنكم أن نعلل الأعيان الستة بعلتين يوجد الحكم مع وجود كل واحد منهما ومع عدمهما ولم يلتفت إلى قول من قال لنا إن هذه العلل لا تعم جميع المواضع فوجب أن يكون قاعدة وجب أن يكون في مسألتنا مثله

وما أجاب به القاضي الجليل عن قول هذا القائل فهو الذي نجيب به عن السؤال الذي ذكره وأيضا فإني أدل على صحة العلة

والذي يدل على صحتها أننا أجمعنا على أن الأصول كلها معللة بعلل وقد اتفقنا على أن هذا الأصل الذي هو الرجعية معلل أيضا غير أننا اختلفنا في عينها فقلتم أنتم إن العلة فيها بقاء الزوجية

وقلنا العلة وجود العدة من طلاق ومعلوم أننا إذا عللناه بما ذكرتم من الزوجية لم يتعد وإذا عللناه بما ذكرته من العلة تعدت إلى المختلعة فيجب أن تكون العلة هي المتعدية دون الأخرى

وأما معارضتك في الأصل فهي علة مدعاة ويحتاج أن يدل على صحتها كما طالبتني بالدلالة على صحة علتي

وأما منع الفرع فلا نسلم أنها زوجة فإن الطلاق وضع لحل العقد وما وضع للحل إذا وجد ارتفع العقد كما قلنا في فسخ سائر العقود

وتكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول بأن قال قصدي بما أوردتك من المطالبة بتصحيح الوصف والمطالبة في الدلالة عليه من جهة الشرع وأن الحكم تابع له غير أني كشفت عن طريق الشرع له وقلت له إذا كان الحكم يثبت مع وجود هذه العلة ويثبت مع عدمها لم يكن ذلك علة في الظاهر إلا أن يدل الدليل على أن هذا الوصف مؤثر في إثبات هذا الحكم في الشرع فحينئذ يجوز أن يعلق الحكم عليه ومتى لم يدل الدليل على ذلك وكان الحكم ثابتا مع وجوده ومع علته وليس معه ما يدل على صحة اعتباره دل على أنه ليس بعلة

وأما ما ذكره الشيخ الجليل من علة الربا وقوله إنها أحد العلل فليس كذلك بل هي وغيرها من معاني الأصول سواء فلا معنى لهذا الكلام وهو حجة عليك وذلك أن الناس لما اختلفوا في تلك العلل وادعت كل طائفة معنى طلبوا ما يدل على صحة ما ادعوه ولم يقتصروا فيها على مجرد الدعوى فكان يجب أن يعمل في علة الرجعية مثل ذلك لأن هذا تعليل أصل مجمع عليه فكما وجب الدلالة على صحة علة الربا ولم يقتصروا فيها على مجرد الدعوى فكان يجب أن يدل أيضا على صحة علة الرجعية

وأما جريان الربا مع الأثمان مع عدم علة الأربعة فعلة أخرى تثبت بالدليل وهي علة الأثمان

وأما في مسألتنا فلم يثبت كون العدة علة في فرع الطلاق فلم يصح تعليق الحكم عليها

وأما الفصل الثاني فلا يصح وذلك أنك ادعيت أن الأصول كلها معللة وهي دعوى تحتاج أن يدل عليها وأنا لا أسلمه لأن الأصل المعلل عندي ما دل عليه الدليل

وأما كلام الشيخ الجليل أيده الله تعالى على الفصل الثاني فإن طالبتني بتصحيح العلة فأنا أدل على صحتها والدليل على ذلك أنه إذا طلق امرأة أجنبية لم يتعلق بذلك حكم فإن عقد عليها وحصلت زوجة له فطلقها وقع عليه الطلاق فلو طلقها قبل الدخول طلقة ثم طلقها لم يلحقها لأنها خرجت على الزوجية فلو أنه عاد فتزوجها ثم طلقها لحقه طلقة فدل على العلة ففيها ما ذكرت وليس في دعوى علتك مثل هذا الدليل

وأما إنكاره لمعنى الفرع فلا يصح لوجهين أحدهما أن عنده أن الطلاق لا يفيد أكثر من نقصان العدة ولا يزيل الملك فهذا لا يتعلق به تحريم الوطء ومن المحال أن يكون العقد مرتفعا ويحل له وطؤها

والثاني أني أبطل هذا عليه بأنه لو كان قد ارتفع العقد لوجب أن لا يستبيح وطأها إلا بعقد جديد يوجد بشرائطه من الشهادة والرضا وغير ذلك لأن الحرة لا تستباح إلا بنكاح ولما أجمعنا على أنه يستبيح وطأها من غير عقد لأحد دل على أن العقد باق وأن الزوجية ثابتة

تكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بأن قال أما قولك إني مطالب بالدلالة على صحة العلة فلا يصح والجمع بين المطالبة بصحة العلة وعدم التأثير متناقض وذلك أن العلة إما أن تكون مقطوعا بكونها مؤثرة فلا يحتاج فيها إلى الدلالة على صحتها لأن ما يدل على صحتها يدل على كونها مؤثرة ولا يجوز أن يرد الشرع بتعليق حكم على ما لا تأثير له من المعاني وإنما ورد الشرع بتعليق الحكم على المعاني المؤثرة في الحكم وإذا كانت الصورة على هذا يجوز أن يقال هذا لا تأثير له ولكن دل على صحته إن كانت العلة مشكوكا في كونها مؤثرة في الحكم لم يجز القطع على أنها غير مؤثرة وقد قطع القاضي أيده الله بأن هذه العلة غير مؤثرة فبان بهذه الجملة أنه لا يجوز أن يعترض عليها من جهة عدم التأثير ويحكم بفسادها بسببه ثم تطالبني مع هذا بتصحيحها لأن ذلك طلب محال جدا

وأما ما ذكرت من علة الربا فهو استشهاد صحيح

وما ذكر من ذلك حجة علي لأن كل من ادعى علة الربا فهو استشهاد على صحتها فيجب أن يكون هاهنا مثله فلا يلزم لأني أمتنع من الدلالة على صحة العلة بل أقول إن كل علة ادعاها المسؤول في مسألة من مسائل الخلاف فطولب بالدلالة على صحتها لزمه إقامة الدليل عليها وإنما امتنع أن يجعل الطريق المسؤول لها وجود الحكم مع عدمها وأنها لا تعم جميع المواضع التي يثبت فيها ذلك الحكم وهو أبقاه الله جعل المفسد لهذه العلة وجود نفوذ الطلاق مع عدم العلة وذلك غير جائز كما قلنا في علة الربا في الأعيان الأربعة إنها تفقد ويبقى الحكم

وأما إذا طالبتني بتصحيح العلة واقتصرت على ذلك فإني أدل عليها كما أدل على صحة العلة التي ادعيتها في مسألة الربا

وأما الفضل الثاني وهو الدلالة على صحة العلة فإن القاضي أيده الله تعلق من كلامي بطرفه ولم يتعرض لمقصوده وذلك أني قلت إن الأصول كلها معللة وإن هذا الأصل معلل بالإجماع بيني وبينه وأما الاختلاف في غير العلة فيجب أن يكون بما ذكرناه هو العلة لأنها تتعدى فترك الكلام على هذا كله وأخذ يتكلم في أن من الأصول ما لا يعلل وأنه لا خلاف فيه وهذا لا يصح لأنه لا خلاف أن الأصول كلها معللة وإن كان في هذا خلاف فأنا أدل عليه

والدليل عليه هو أن الظواهر الواردة في جواز القياس مطلقة وذلك كقوله تعالى ‏{‏فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ‏}‏ وكقوله ‏(‏ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران فإن اجتهد فأخطأ فله أجر ‏)‏

وعلى أني قد خرجت من عهده بأن قلت إن الأصل الذي تنازعنا عليه معلل بالإجماع فلا يضرني مخالفة من خالفه في سائر الأصول

وأما المعارضة فإنه لا يجوز أن يكون المعنى في الأصل ما ذكرت من ملك النكاح ووجود الزوجية يدل على ذلك أن هذا المعنى موجود في الصبي والمجنون ولا ينفذ طلاقهما فثبت أن ذلك ليس بعلة وإنما العلة ملك إيقاع الطلاق مع وجود محل موقعه وهذا المعنى موجود في المختلعة فيجب أن يلحقها

وأما معنى الفرع فلا أسلمه

وأما ما ذكرت من إباحة الوطء فلا يصح لأن يطؤها وهي زوجة لأنه يجوز له مراجعتها بالفعل فإذا ابتدأ المباشرة حصلت الرجعة فصادفها الوطء وهي زوجة وأما أن يبيح وطأها وهي خارجة عن الزوجية فلا

وأما قوله لو كان قد ارتفع العقد لوجب أن لا يستبيحها من غير عقد كما قال أصحابنا فيمن باع عصيرا وصار في يد البائع خمرا ثم تخلل إن البيع يعود بعدما ارتفع

وعلى أصلكم إذا رهن عصيرا فصار خمرا ارتفع الرهن فإذا تخلل عاد الرهن وكذلك هاهنا مثله

تكلم القاضي أبو الطيب على الفصل الأول بأن قال ليس في الجمع بين المطالبة بالدليل على صحة العلة وبين عدم التأثير مناقضة وذلك أنى إذا رأيت الحكم ثبت مع وجود هذه العلة ومع عدمها على وجه واحد كان الظاهر أن هذا ليس بعلة للحكم إلا أن يظهر دليل على أنه علة فنصير إليه وهذا كما نقول في القياس إنه دليل على الأحكام إلا أن يعارضه ما هو أقوى منه فيجب تركه وكذلك خبر الواحد دليل في الظاهر يجب المصير إليه إلا أن يظهر ما هو أقوى منه من نص قرآن أو خبر متواتر فيجب المصير إليه كذلك هاهنا الظاهر بما ذكرته أنه دليل على ذلك ليس بعلة إلا أن تقيم دليلا على صحته فنصير إليه

وأما علة الربا فقد عاد الكلام إلى هذا الفصل الذي ذكرت الشيخ وقد تكلمت عليه بما يغني عن إعادته

وأما الفصل الثاني فقد تكلمت عليه بما سمعت من كلام الشيخ الجليل أيده الله وهو أنه قال الأصول كلها معللة

وأما هذه الزيادة فالآن سمعتها وأنا أتكلم على الجميع

وأما دليلك على أن الأصول كلها معللة فلا يصح لأن الظواهر التي وردت في جواز القياس كلها حجة عليك لأنها وردت بالأمر بالاجتهاد فما دل عليه الدليل فهو علة يجب الحكم بها وذلك لا يقتضي أن كل أصل معلل

وأما قولك إن هذا الأصل مجمع على تعليله وقد اتفقنا على أن العلة فيه أحد المعنيين إما المعنى الذي ذكرته وإما المعنى الذي ذكرته وأحدهما يتعدى والآخر لا يتعدى فيجب أن تكون العلة فيهما ما يتعدى فلا يصح لأن اتفاقي معك على أن العلة أحد المعنيين لا يكفي في الدلالة على صحة العلة وأن الحكم معلق بهذا المعنى لأن إجماعنا ليس بحجة لأنه يجوز الخطأ علينا وإنما تقوم الحجة بما يقطع عليه اتفاق الأمة التي أخبر النبي

وأما قولك إن علتي متعدية فلا يصح لأن التعدي إنما يذكر لترجيح إحدى العلتين على الأخرى وفي ذلك نظر عندي أيضا وأما أن يستدل بالتعدي على صحة العلة فلا ولهذا لم نحتج نحن وإياكم على مالك في علة الربا علتنا تتعدى إلى ما لا تتعدى علته ولا ذكر أحد في تصحيح علة الربا ذلك فلا يجوز الاستدلال به

وأما فصل المعارضة فإن العلة في الأصل ما ذكرت

وأما الصبي والمجنون فلا يلزمان لأن التعليل واقع لكونهما محلا لوقوع الطلاق ويجوز أن يلحقهما الطلاق وليس التعليل للوجوب فيلزم عليه المجنون والصبي وهذا كما نقول إن القتل علة إيجاب القصاص ثم نحن نعلم أن الصبي لا يستوفى منه القصاص حتى يبلغ وامتناع استيفائه من الصبي والمجنون لا يدل على أن القتل ليس بعلة لإيجاب القصاص

كذلك هاهنا يجوز أن تكون العلة في الرجعية كونها زوجة فإن كان لا يلحقها الطلاق من جهة الصبي لأن هذا إن لزمني على اعتبار الزوجية لزمك على اعتبار الاعتداد لأنك جعلت العلة في وقوع الطلاق كونها معتدة وهذا المعنى موجود في حق الصبي والمجنون فلا ينفذ طلاقهما ثم لا يدل ذلك على أن ذلك ليس بعلة وكل جواب له عن الصبي والمجنون في اعتباره العدة فهو جوابنا في اعتبار الزوجية

وأما علة الفرع فصحيحة أيضا وإنكارك لها لا يصح لما ثبت أن من أصلك أن الطلاق لا يفيد أكثر من نقصان العدد والذي يدل عليه جواز وطء الرجعية وما زعمت من أن الرجعة تصح منه بالمباشرة غلط لأنه يبتدىء بمباشرتها وهي أجنبية فكان يجب أن يكون ذلك محرما ويكون تحريمه تحريم الزنا كما قال ‏(‏ العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج ‏)‏ ولما قلتم إنه يجوز أن يقدم على مباشرتها دل على أنها باقية على الزوجية

وأما ما ذكرت من مسألة العصير فلا يلزم لأن العقود كلها لا تعود معقودة إلا بعقد جديد يبين صحة هذا البيع والإجارات والصلح والشركة والمضاربات وسائر العقود فإذا كانت عامة العقود على ما ذكرناه من أنها إذا ارتفعت لم تعد إلا باستئناف أمثالها لم يجز إبطال هذا بمسألة شاذة عن الأًصول

وهذا كما قلت لأبي عبد الله الجرجاني وفرقت بين إزالة النجاسة والوضوء بأن إزالة النجاسة طريقها التروك والتروك موضوعة على أنها لا تفتقر إلى النية كترك الزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك فألزمني على ذلك الصوم فقلت له غالب التروك وعامتها موضوعة على ما ذكرت فإذا شذ منها واحد لم ينتقض به غالب الأصول ووجب رد المختلف فيه إلى ما شهد له عامة الأصول وغالبها لأنه أقوى في الظن

وعلى أن من أصحابنا من قال إن العقد لا ينفسخ في الرهن بل هو موقوف مراعى فعلى هذا لا أسلمه ولأن أصل أبي حنيفة أن العقد لا يزول والملك لا يرتفع

تكلم الشيخ أبو الحسين على الفصل الأول بأن قال قد ثبت أن الجمع بين المطالبة بتصحيح العلة وعدم التأثير غير جائز

وأما ما ذكرت من أن هذا دليل ما لم يظهر ما هو أقوى منه كما نقول في القياس وخبر الواحد فلا يصح وذلك أنا لا نقول إن كل قياس دليل وحجة فإذا حصل القياس في بعض المواضع فعارضه إجماع لم نقل إن ذلك قياس صحيح بل نقول هو قياس باطل وكذلك لا نقول إن ذلك الخبر حجة ودليل فأما القاضي أيده الله فقد قطع في هذا الموضع بأن هذا لا تأثير له فلا يصح مطالبته بالدليل على صحة العلة

وأما الفصل الآخر وهو الدلالة على أن الأصول معللة فقد أعاد فيه ما ذكره أولا من ورود الظواهر ولم يزد عليه شيئا يحكى

وأما قولك إن إجماعي وإياك ليس بحجة فإني لم أذكره لأني جعلته حجة وإنما ذكرت اتفاقنا لقطع المنازعة

وأما فصل التعدي فصحيح وذلك أني ذكرت في الأصل علة متعدية ولا خلاف أن المتعدية يجوز أن تكون علة وعارضني أيده الله بعلة غير متعدية وعندي أن الواقفة ليست بعلة وعنده أن المتعدية أولى من الواقفة فلا يجوز أن يعارضني وذلك يوجب بقاء علتي على صحتها

وأما المعارضة فإن قولك إن التعليل للجواز كما قلنا في القصاص فلا يصح لأنه إذا كان علة ملك إيقاع الطلاق ملك النكاح وقد علمنا أن ملك الصبي ثابت وجب إيقاع طلاقه فإذا لم يقع دل على أن ذلك العقل ليس بعلة وأما القصاص فلا يلزم لأن هناك لما ثبت له القصاص وكان القتل هو العلة في وجوبه جاز أن يستوفى له لأن الولي يستوفي له القصاص وكان العقل هو العلة

وأما قولك إن مثل هذا يلزم على علتي فليس كذلك لأني قلت معتدة من طلاق فلا يتصور أن يطلق الصبي فتكون امرأته معتدة من طلاق فألزمه القاضي المجنون إذا طلق امرأته

ومن الغرائب والفوائد عن القاضي أبي الطيب

حكى القاضي أبو الطيب في التعليقة وجها أن القضاء سنة وليس بفرض كفاية

قال ابن الرفعة لم أره لغيره

نقل النووي رحمه الله في المنثورات أن القاضي أبا الطيب قال في شرح الفروع إن من صلى فريضة ثم أدركها في جماعة فصلاها ثم تذكر أنه نسي سجدة من الصلاة الأولى لزمه أن يعيدها لأن الأولى بترك السجدة قد بطلت ولم يحتسب له بما بعدها لأن الترتيب مستحق في أفعال الصلاة وأن ذلك لا يتخرج على الخلاف في أن الأولى الفرض ألو الثانية

قلت وهذا هو الفقه الذي ينبغي غير أني لم أجد كلام القاضي أبي الطيب في شرح الفروع صريحا في أنه لا يتخرج على الخلاف بل قال وأما الثانية فلا يحتسب بها لأنه فعلها بنية التطوع ثم قال فإن قال قائل أليس قال الشافعي رضي الله عنه يحتسب الله بأيهما شاء فالجواب أن أبا إسحاق المروزي قال قال الشافعي في القديم لا يقال إن الله يحتسب ما شاء ولم يقل إن الثانية يفعلها بنية التطوع ورجع عن هذا في الجديد وقال الأولى فرضه والثانية سنة والحال فيما يدل على أن الثانية سنة لا فرض وهذا الكلام يدل على أن من يمنع كون الثانية سنة يمنع لزوم الإعادة

وفي السؤال الأول من فتاوي الغزالي المشهورة ما يقتضي النزاع من أنه لو صلى في بيته ثم أتى الجماعة فأعادها ثم بان أن الصلاة الأولى كانت فاسدة أن الصلاة المعادة تجزئه وسكت عليه الغزالي

قال القاضي أبو الطيب في تعليقته في كتاب الشهادات فرع السائل هل تقبل شهادته أو لا ينظر فإن كان يسأل الناس من حاجة لم ترد شهادته لأنه إذا لم يكن له قوة أمر بالسؤال وإن كان يسأل الناس من غير حاجة لم تقبل شهادته لأنه يكذب في قوله إنه محتاج لأنه لو يقل ذلك لم يدفع إليه شيء

وأما إذا كان ممن لا يسأل ولكن الناس يحملون إليه الصدقات فإنه ينظر فإن كانوا يحملون إليه من الصدقات النفل والتطوع لم ترد شهادته لأن ذلك يجري مجرى الهبات والهبات لا تمنع من قبول الشهادة

وإن كانت الصدقات من الفرائض فلا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون غنيا أو فقيرا فإن كان فقيرا حل له ذلك وقبلت شهادته وإن كان غنيا لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون جاهلا أو عالما فإن كان جاهلا لا يعلم أنه لا يجوز له أخذ الصدقة المفروضة مع الغنى لم ترد شهادته لأن ذلك خطأ والخطأ لا يوجب رد الشهادة وإن كان عالما فإنه لا تقبل شهادته لأنه يأكل مالا حراما وهو مستغن عنه وله مستحقون غيره

انتهى بنصه ولفظه

وهي مسائل متقاربة شهادة القانع وقد قدمنا الكلام عليها في ترجمة الخطابي وهو السائل إلا أن الكلام على شهادته لأهل البيت الذين بيناهم لا مطلقا وشهادة السائل مطلقا وشهادة الطفيلي ومن يختطف النثار في الأفراح

والفرق بين هذه الصور وشهادة القانع أن المأخذ في منع شهادة القانع عند من منعها التهمة وجلب النفع والمأخذ في هذه المسائل قلة المروءة أو أكل ما لا يستحق

وقد جمع صاحب البحر أبو المحاسن الروياني هذه المسائل واقتضى إيراده أنها منصوصات فقال فرع قال في الأم ومن ثبت عليه أنه يغشى الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ولا يستحيل من صاحب الطعام وتتابع ذلك منه ردت شهادته لأنه يأكل محرما إذا كانت الدعوة دعوة رجل بعينه فإن كان طعام سلطان أو رجل ينسب للسلطان فدعا الناس إليه فهذا طعام عام مباح ولا بأس به

قال أصحابنا إنما اعتبر تكرر ذلك لأنه قد يكون له شبهة حيث لم يمنعه صاحب الطعام وإذا تكرر صار دناءة وسفها

فرع قال ولو ذهب مال الرجل بجائحة حلت له المسألة وكذلك إذا كان في مصلحة وإذا أخذها لم أرد شهادته لأنه يأخذها بحق فإن كان يسأل الناس طول عمره أو بعضه وهو غني لا أقبل شهادته لأنه يأخذ الصدقة بغير حق ويكذب أبدا فيقول إني محتاج

وليس بمحتاج فإن أعطي الصدقة من غير سؤال ينظر فإن كانت صدقة تطوع فلا بأس ولا ترد شهادته وإن كانت صدقة واجبة فإن لم يكن علم تحريمها فلا ترد وإن علم بتحريمها ردت شهادته

فرع وإذا نثر على الناس في الفرح فأخذ من حضر لم يكن في هذا ما يخرج عن الشهادة لأن كثيرا يزعم أن هذا حلال مباح لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه فأما أنا فأكرهه لمن أخذه من قبل أنه يأخذه من أخذه ولا يأخذه إلا بغلبة لمن حضره إما بفضل قوة وإما بفضل قلة حياء والمالك لم يقصد به قصده وإنما قصد به الجماعة فأكرهه

انتهى لفظ البحر

والرافعي رحمه الله اقتصر على مسألة السائل فذكر أن شهادة الطواف على الأبواب وسائر السؤال تقبل شهادتهم إلا أن يكثر الكذب في دعوى الحاجة وهو غير محتاج أو يأخذ ما لا يحل له أخذه فيفسق قال ومقتضى الوجه الذاهب إلى رد شهادة أهل الحرف رد شهادته لدلالته على خسته

قال القاضي أبو الطيب رحمه الله سمعت القاضي أبا الفرج المعافى بن زكريا رحمه الله يقول كنت أحضر مجلس أبي الحسن بن أبي عمر يوم النظر فحضرت يوما أنا وجماعة بالباب ننتظره ليخرج فدخل أعرابي فجلس بالقرب منا وإذا بغراب سقط على نخلة في الدار وصاح ثم طار فقال الأعرابي إن هذا الغراب يقول إن صاحب هذه الدار يموت بعد سبعة أيام قال فصحنا عليه وزبرناه فقام وانصرف ثم دخلنا إلى أبي الحسن فإذا به متغير اللون فقال أحدثكم بأمر شغل بالي إني رأيت البارحة في المنام شخصا وهو يقول

منازل آل حماد بن زيد ** على أهليك والنعم والسلام

وقد ضاف صدري لذلك فدعونا له وانصرفنا فلما كان اليوم السابع توفي إلى رحمة الله تعالى

والله أعلم

424 طاهر بن عبد الله الإيلاقي

بكسر الألف وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها القاف إيلاق هي بلاد الشاش المتصلة بالترك

وهذا هو الشيخ الإمام أبو الربيع

كان إماما في الفقه متضلعا به

تفقه على الحليمي وأبي طاهر الزيادي وقرأ الأصول على الأستاذ أبي إسحاق وروى الحديث عن أستاذيه وأبي نعيم عبد الملك بن الحسن الأزهري وغيرهم

تفقه عليه أهل الشاش

وتوفي عن ست وتسعين سنة في سنة خمس وستين وأربعمائة

طاهر بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبو عبد الله البغدادي

نزل بنيسابور

قال الحاكم كان أظرف من رأينا من العراقيين وأفتاهم وأحسنهم كتابة وأكثرهم فائدة

سمعت أبا عبد الله بن أبي ذهل يقول ما رأيت من البغداديين أكثر فائدة من أبي عبد الله

سمع أبا حامد الحضرمي وأبا بكر أحمد بن القاسم الفرائضي وأقرانهما

توفي بنيسابور يوم الخميس الثامن من ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة

وروى عنه الحاكم

وهذا كلامه

قال ابن الصلاح وهو فيما أحسب أبو الأستاذ أبي منصور البغدادي عبد القاهر ابن طاهر

قلت ما أوردناه من نسب هذا هو ما أورده الحاكم وقد أسقط ابن الصلاح اسم أبي هذا فقال طاهر بن عبد الله

وذكره بعد القاضي فكتب شيخنا المزي يقدم

فأما كتابته إياه بعد القاضي فصواب لأن القاضي طاهر بن عبد الله وهذا طاهر بن محمد والعين مقدمة على الميم والمزي توهمه كما أورده ابن الصلاح طاهر بن عبد الله فكتب يقدم وهو صحيح لو كان الأمر كما توهم لأن جده إبراهيم حينئذ وجد القاضي طاهر والألف قبل الطاء

والذي أراه ابن الصلاح لم يقصد هذا بل أراد أن يكتب طاهر بن محمد فأسقط اسم محمد نسيانا ويدل عليه ذكره إياه بعد القاضي

والله تعالى أعلم

425 ظفر بن مظفر بن عبد الله بن كتنه

أبو الحسن الحلبي الناصري

سمع عبد الرحمن بن عمر بن نصر وعبيد الله الوراق

روى عنه السمان وعبد العزيز الكتاني ومحمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري

مات سنة تسع وعشرين وأربعمائة

426 العباس بن محمد بن علي بن أبي طاهر

أبو محمد العباسي

يعرف بابن الرحا

مولده سنة ثلاثين وأربعمائة

ومات في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة

427 عبد الله بن أحمد بن عبد الله

الإمام الزاهد الجليل البحر أحد أئمة الدنيا يعرف بالقفال الصغير المروزي

شيخ الخراسانيين وليس هو القفال الكبير هذا أكثر ذكرا في الكتب أي كتب الفقه ولا يذكر غالبا إلا مطلقا وذاك إذا أطلق قيد بالشاشي وربما أطلق في طريقه العراقيين لقلة ذكرهم لهذا والشاشي أكثر ذكرا فيما عدا الفقه من الأصول والتفسير وغيرهما

كان القفال المروزي هذا من أعظم محاسن خراسان إماما كبيرا وبحرا عميقا غواصا على المعاني الدقيقة نقي القريحة ثاقب الفهم عظيم المحل كبير الشأن دقيق النظر عديم النظير فارسا لا يشق غباره ولا تلحق آثاره بطلا لا يصطلي له بنار أسدا ما بين يديه لواقف إلا الفرار

تفقه على الشيخ أبي زيد المروزي وسمع منه ومن الخليل بن أحمد القاضي وجماعة وحدث وأملى

ذكره الإمام أبو بكر محمد بن الإمام أبي المظفر السمعاني في أماليه فقال كان وحيد زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وله في فقه الشافعي وغيره من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره

قال وطريقته المهدية في مذهب الشافعي التي حملها عنه فقهاء أصحابه من أهل البلاد أمتن طريقة وأوضحها تهذيبا وأكثر تحقيقا رحل إليه من البلاد للتفقه عليه فظهرت بركته على مختلفيه حتى تخرج به جماعة كثيرة صاروا أئمة في البلاد نشروا علمه ودرسوا قوله

هذا كلامه

والقفال رضي الله عنه أزيد مما وصف وأبلغ مما ذكر وقد صار معتمد المذهب على طريقة العراق وحامل لوائها أبو حامد الإسفرايني وطريقة خراسان والقائم بأعبائها القفال المروزي هما رحمهما الله شيخا الطريقتين إليهما المرجع وعليهما المعول

وكان القفال رحمه الله قد ابتدأ التعلم على كبر السن بعدما أفنى شبيبته في صناعة الأقفال وكان ماهرا فيها

روي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه قال كان القفال صنع قفلا مع جميع آلاته من وزن أربع حبات من حديد قال الشيخ أبو محمد أخرج القفال يده فإذا على ظهر كفه آثار المجل فقال هذا من آثار عملي في ابتداء شبابي

قال السمعاني أبو بكر وسمعت جماعة من مشيختنا يذكرون أنه ابتدأ التعلم وهو ابن ثلاثين سنة فبارك الله تعالى له حتى أربي على أهل عصره وصار أفقه أهل زمانه

قال الشيخ أبو محمد وسمعت القفال يقول ابتدأت التعلم وأنا لا أفرق بين اختصرت واختصرت

قال ابن الصلاح أظن أنه أراد بهذا الكلمة الأولى من مختصر المزني وهو قوله اختصرت هذا من علم الشافعي وأراد أنه لم يكن من اللسان العربي ما يفرق به بين ضم تاء الضمير وفتحها

وقال ناصر العمري لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه ولا يكون بعده مثله وكنا نقول إنه ملك في صورة إنسان

وكان القفال رحمه الله مصابا بإحدى عينيه

قال أبو بكر السمعاني سمعت الإمام والدي يقول سئل القفال رحمه الله في مجلس وعظه هل يقضي الله على عبده بسوء القضاء فقال نعم فقد أدركني سوء القضاء وعور إحدى عيني

وقال القاضي الحسين كنت عند القفال فأتاه رجل قروي وشكا إليه أن حماره أخذه بعض أصحاب السلطان فقال له القفال اذهب فاغتسل وادخل المسجد وصل ركعتين واسأل الله تعالى أن يرد عليك حمارك

فأعاد عليه القروي كلامه فأعاد القفال فذهب القروي ففعل ما أمره به وكان القفال قد بعث من يرد حماره فلما فرغ من صلاته رد الحمار فلما رآه على باب المسجد خرج وقال الحمد لله الذي رد علي حماري فلما انصرف سئل القفال عن ذلك فقال أردت أن أحفظ عليه دينه كي يحمد الله تعالى

وقال ناصر العمري احتسب بعض الفقهاء المختلفين إلى القفال على بعض أتباع الأمير بمرو فرفع الأمير إلى السلطان محمود وذكر أن الفقهاء أساءوا الأدب في مواجهة الديوان بما فعلوا فكتب محمود هل يأخذ القفال شيئا من ديواننا فقيل لا فقال فهل يتلبس من أمور الأوقاف بشيء فقيل لا قال فإن الاحتساب لهم سائغ فدعهم

وقال القاضي الحسين كان القفال في كثير من الأوقات في الدرس يقع عليه البكاء ثم يرفع رأسه ويقول ما أغفلنا عما يراد بنا رضي الله عنه

تفقه القفال على جماعة وكان تخرجه على يد الشيخ أبي زيد وسمع الحديث بمرو وببخارى وبيكند وهراة وحدث في آخر عمره وأملى ومات سنة سبع عشرة وأربعمائة وهو ابن التسعين سنة ودفن بسجستان وقبره بها معروف يزار رحمة الله ورضوانه عليه

آمين

ومن الرواية عن الشيخ القفال

أخبرنا الحافظ أبو العباس ابن المظفر سماعا عليه أنبأنا أحمد بن هبة الله بن عساكر أخبرنا أبو روح إجازة أخبرنا أبو زاهر بن طاهر أخبرنا القاضي أبو سعد عبد الكريم بن أحمد الوزان إملاء قدم علينا من الري سنة ثمان وخمسين وأربعمائة أخبرنا الإمام أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي بها أخبرنا أبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري أخبرنا أبو محمد عبدان بن محمد بن عيسى حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار الدمشقي حدثنا صدقة بن خالد عن هشام بن الغار أخبرني حبان أبو النصر قال سمعت واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله عن الله تبارك وتعالى قال ‏(‏ أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ‏)‏

كتب إلي شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن أبا الفرج عبد الرحمن ابن أبي عمر وأبا الحسن بن البخاري أنبآه عن فضل الله النوقاني عن الحسين ابن مسعود البغوي

ح وأنبأني المشار إليه في غير واحد من مشيختنا أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد وإبراهيم بن أبي الحسن بن عمرو والفراء وغيرهما بقراءة المزي قالوا أخبرنا أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد القزويني سماعا عليه أخبرنا أبو منصور محمد بن أسعد ابن محمد حفدة العطاري أخبرنا محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي حدثنا محمد بن أبي رافع الأنماطي حدثنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال أخبرنا أبو نعيم هو محمد بن عبد الرحمن أخبرنا أبو محمد عبدان بن محمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد هو ابن مسلم قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله ‏(‏ ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه ‏)‏ قال فكان رسول الله ‏(‏ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والميزان بيد الرحمن يرفع قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة ‏)‏

وهذه نخب وفوائد ومسائل عن الشيخ القفال

قال الإمام في النهاية في كتاب اللعان قبل باب أين يكون اللعان لما ذكر أن قذف الصبي وإن لم يوجب عليه حدا ولا تعزيزا للمقذوف يتعلق بطلبته ولكن يعززه القائم عليه لإساءة أدبه كما يفعل ذلك في سائر جهات التأديب إن القفال قال إذا هم بتأديب المراهق فبلغ انكف عنه وإن كان واليا لأن البلوغ أكمل الروادع والعقل الذي قضى الشرع بكماله أبين رادع

قال يعني القفال ولهذا نأمر الطفل بقضاء ما فاته من الصلوات ما دام طفلا فإذا بلغ كففنا الطلب عنه

انتهى

والمسألتان غريبتان المستشهد عليها والمستشهد بها

ذكر الشيخ أبو محمد أنه لا خلاف بين أصحابنا أنه إذا وقف الإمام على الأرض في الدار والمأموم على سطح الدار أن صلاته أي المأموم باطلة ولا تصح الصلاة على السطح بصلاة الإمام على الأرض إلا في المسجد

قال حتى كان الشيخ القفال يستزل الناس عن جدار المصلى يوم العيد لأن مصلى أهل مرو بقعة مغصوبة وكل مسجد بني في بقعة مغصوبة فليس بمسجد

انتهى

قلت ولعل مصلى أهل مرو اتخذ مسجدا وإلا فمجرد كونه مصلى ولو لم يكن مغصوبا لا يعطى حكم المسجد كما قاله الغزالي في الفتاوي وهو واضح

وقد تنبهت من هذه الحكاية عن القفال لفائدة كانت تدور في خلدي فإنني لما سمعت هذه الحكاية انتقل ذهني إلى أن القفال منع الناس عن الصلاة في المصلى لأن الصلاة في المغصوب حرام فكما منعهم عما لا يصح كذلك ينبغي أن يمنعهم عما يحرم ثم فكرت في أن هذه البقعة جاز أن يكون مستحقها قد مات وماتت ورثته وانتقلت إلى بيت المال كما هو الغالب على كثير من ا لمغصوبات التي يتمادى عليها الزمان وأقول في مثل ذلك إذا انتقلت إلى بيت المال خرجت عن حكم الغصب ولم تصر مسجدا لأنها لم تبن وقت الاستحقاق مسجدا فلما وقفت مسجدا كان الوقف باطلا لأن حكم الغصب قد كان باقيا وهذا شيء كان يدور في خلدي ثم تأيد بهذه الحكاية

وكان سبب دورانه في خلدي أنه حكي لي عن الوالد رحمه الله أنه كان في أول مرة لا يدخل إلى المدرسة المنصورية لأنه قيل إن الملك المنصور قلاوون غصب ساحتها ثم لما ولي الوالد تدريسها سنة إحدى وعشرين وسبعمائة صار يدخل للدرس ففكرت مع علمي من حاله بأن الدنيا لم تكن تحمله على الوقيعة في شبهة عن جواب عما لعله يقال كيف دخلها عند ولاية التدريس وترك التورع الذي كان يفعله فوقع لي أنه لعل المغصوب منه أو ورثته كانوا موجودين في أوائل أمر الشيخ الإمام الوالد رحمه الله أو كان وجودهم محتملا ثم تحق فقدهم وانتقال الساحة إلى بيت المال فصار يدخلها لكونها أرض بيت المال واشترك المسلمون فيها وهذا يعتضد بما ذكرت عن القفال ويحتمل أيضا أن الدخول حيث لم يكن مدرسا دخول في الشبهة لا لغرض ديني وبعد التدريس دخول لغرض لعله أهم في نظر الشارع من الورع فهذان جوابان

قال القاضي الحسين في تعليقته من باب صلاة التطوع كان القفال يقول وددت أن أجد قول من سلف القنوت في الوتر في جميع السنة لكني تفحصت عنه فما وجدت أحدا قال به

قال القفال وقد اشتريت كتاب ابن المنذر في اختلاف العلماء لهذه المسألة خاصة ففحصت عنها فلم أجد أحدا قال به إلا مالكا فإنه قال بالقنوت في الوتر في جميع شهر رمضان دون غيره من الشهور

قلت كأنه يعني بالسلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمان مالك والشافعي وإلا فقد قال بالوتر في جميع السنة من أصحابنا أربعة منهم اثنان أستبعد خفاء قولهما على القفال وهما أبو الوليد النيسابوري وأبو عبد الله الزبيري وأبو منصور بن مهران وأبو الفضل بن عبدان واختاره النووي في تحقيق المذهب ولكن توقف الوالد رحمه الله في موافقته على اختياره قال إذ ليس في الحديث تصريح به

ولما رأيت فحص القفال عن أقاويل السلف في هذه المسألة فكشفت أوعب الكتب لأقاويلهم وهو مصنف ابن أبي شيبة فوجدته قال حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن إبراهيم عن عبد الله أنه كان يقول القنوت في السنة كلها

قال وكان ابن سيرين لا يراه إلا في النصف من رمضان ثم روى عن الحسن أن الإمام يقنت في النصف والمنفرد يقنت الشهر كله

ثم روى بسنده إلى إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع

قال أبو بكر هذا القول عندنا

قلت فهذا أبو بكر بن أبي شيبة قد نقل عن إبراهيم عن عبد الله وهو ابن مسعود أنه يقنت في الوتر في السنة كلها وقال به إبراهيم نفسه وهو النخعي وارتضاه أبو بكر وهو ابن أبي شيبة فهؤلاء ثلاثة من السلف وقد ذكر ابن أبي شيبة ذلك في فصل من قال القنوت في النصف من رمضان في فصول الوتر وقنوته

ذكر القفال في فتاويه فيمن اشترى أمة فوطئها قبل أن يستبرئها أنه لا يحسب لها الاستبراء ما دامت تحته يفترشها بل لا بد من أن يتجانت عنها حتى تمر بها حيضة قال وكذلك لو كان لا يطؤها إلا أنه يلمسها ويعاشرها والمجزوم به في الرافعي وأكثر الكتب أنه لا يمنع الاستبراء إلا الوطء لا الملامسة والمعاشرة لأن الملك لم يمنع الاحتساب فكذا المعاشرة بخلاف العدة

وذكر في الفتاوي أيضا أنا إذا رأينا في يد رحل ضيعة يدعي أنها وقف عليه لا تصير وقفا وله بيعها بعد ذلك

قال كما لو كان بيده مال

فقال هذا وديعة عندي ثم باعه فله ذلك

قال بخلاف ما لو قال وقفها علي فلان فإنه لا يجوز بيعها

قلت أما عدم تجويز بيع من قال وقفها علي فلان فظاهر وأما تجويز بيع من قال هذه العين وديعة عندي فمتجه أيضا لأن القول في العقود قول أربابها ولعل المودع أذن له أن يبيع فلسنا ننقب عن ذلك

وأما تمكين من قال هذه وقف علي من البيع فموضع نظر يحتمل أن يقال بما قاله القفال ويحتمل أن يخالف ويحمل كلامه على أن له بيعها فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان كاذبا لا أنا نملكه أو على أنا نعلم أنه يعني بكونها وقفا عليه أنه هو واقفها على نفسه وبمقتضى هذا له البيع لأن الوقف باطل ويدل لهذا أن القفال قال في توجيه قوله لا تصير وقفا إن الإنسان لا يقدر أن يقف على نفسه فكأن اليد لما كانت تدل على الملك فدعوى الوقفية بعد ذلك لا يكون معناها أن غيره وقفها عليه لئلا يعارض دلالة اليد فلم يبق إلا أن يكون هو الذي وقفها وذلك باطل

وإن لم يحمل كلام القفال على ما ذكرناه فهو مشكل وبالجملة فهو تأييد لابن الصلاح

قال القفال في فتاويه فيمن قال إذا مت فاشتروا من ثلثي حانوتا يبلغ غلته كل شهر خمسين درهما واجعلوه وقفا على أن عشرة لطالبي العلم وعشرة للفقراء وعشرة لليتامى وعشرين لأبناء السبيل قال القفال يصح ويعتبر يوم الشراء فيشترى حانوتا ويوقف خمسه على طالبي العلم وخمسه على الفقراء وخمسه على اليتامى وخمسيه على أبناء السبيل ويقفه الوصي هكذا أخماسا فإن زادت غلة الحانوت من بعد فإنه يقسم بينهم وتصرف الزيادة مصرف الأصل وإن نقص خمسة نقص على هذا القياس انتهى

قلت وهذا صريح في أن من وقف مدرسة ونحوها وقدر لأرباب الوظائف مقادير بحسب ربع الوقف يوم وقفه فزاد بعد ذلك أن الزيادة تبسط عليهم على النسبة فلو كان ارتياع الوقف مائة وخمسين فقدر للمدرس خمسين ولعشرة فقهاء كل فقيه عشرة كان للمدرس الثلث وللفقهاء الثلثان بالغا ما بلغ وناقصا ما نقص على النسبة المذكورة

وهذا في جانب النقصان صحيح ظاهر وأما في الواقف المقدار بالخمسين وبالعشرة بل له أن يرصد الفائض أو ينزل عليه فقهاء أو يصرف مصرف المنقطع ولعل الأصلح الزيادة في عدد الفقهاء والأقيس إرصاده

وقد رأينا في حكام هذا العصر الأخير من حكم بنحو ما أفتى به القفال وما أظنه بلغته فتيا القفال وفيها تأييد له ولسنا عليها بموافقين ولا لفظ القفال أيضا بالصريح فيها كل الصراحة فليتأمل فيه

والله تعالى أعلم

428 عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو حكيم الخبري

نسبة إلى خبر بفتح الخاء المعجمة وسكون الباء المنقوطة بواحدة في آخرها الراء المهملة وهي ناحية بنواحي شيراز

تفقه الشيخ أبو حكيم على أبي إسحاق الشيرازي وبرع في الفرائض والحساب وله فيهما المصنفات الفائقة وكان يعرف العربية ويكتب الخط الحسن ويضبط الضبط الصحيح وشرح الحماسة وعدة دواوين كالبحتري والمتنبي والرضي الموسوي وغير ذلك

وسمع الحديث الكثير وحدث باليسير

وروى عنه سبطه أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي الحافظ

وكان يكتب المصاحف ويحكى أنه كان ذات يوم قاعدا مستندا يكتب في المصحف فوضع القلم من يده واستند وقال والله إن هذا موت طيب هني ثم مات في ذي الحجة سنة ست وسبعين وأربعمائة

عبد الله بن جعفر بن عبد الله أبو منصور الجيلي

توفي في المحرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة

429 عبد الله بن طاهر بن محمد بن شهفور الإمام أبو القاسم التميمي من أهل أسفراين

نزل بلخ فاستوطنها فدرس بالمدرسة النظامية بها

وكان إماما في الفروع والخلاف والأصول

وله الجاه والمال الكثير والوجاهة الزائدة والمنزلة الرفيعة والسخاء والجود حكي أنه لما قدم الأنصاري إلى بلخ أهدى إليه ما قيمته ألف دينار

وقد سمع الحديث من جده لأمه الأستاذ أبي منصور البغدادي ومن أبي حسان محمد بن أحمد المزكي وناصر العمري وغيرهم

توفي ببلخ في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

430 عبد الله بن عبد الرحمن بن الحسين بن محمد بن عمر ابن حفص بن زيد النيهي الشيخ الإمام الجليل أخو الإمام الحسن أبو عبد الرحمن النيهي

تقدمت ترجمة أخيه وستأتي ترجمة ولده عبد الرحمن بن عبد الله

وابن السمعاني رحمه الله ترجم كلا من الحسن وعبد الرحمن ولد أخيه عبد الله ولم يذكر لعبد الله هذا ترجمة وقد ذكر الشيخ إبراهيم المروذي في تعليقته في باب حد القذف في مسألة يا مؤاجر وقول عبد الله هذا إنها صريح في القذف من العامي كناية من المميز وهو توسط بين مقالة أخيه الحسن بالصراحة مطلقا التي قدمناها وذكرنا أن القفال والقاضي الحسين سبقاه إليها ومقالة غيرهم من الأصحاب بأنه كناية

431 عبد الله بن العباس بن أبي يحيى بن أبي منصور بن عبد الله بن عبدوس

مات في رمضان سنة إحدى وستين وأربعمائة بسرخس

432 عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان الشيخ أبو الفضل

شيخ همذان ومفتيها وعالمها

قال شيرويه بن شهردار روى عن صالح بن أحمد وجبريل وعلى بن الحسن بن الربيع وجماعة

وسمع ببغداد من أبي الحسين بن أخي ميمى وابن حبابة وعثمان بن القتات وأبي حفص الكتاني والمخلص

حدثنا عنه محمد بن عثمان وأحمد بن عمر والحسين بن عبدوس وأبوه وعلي بن الحسين

وكان ثقة فقيها ورعا جليل القدر ممن يشار إليه

سمعت ابن عثمان يقول لما أغار الترك على همذان أسروا ابن عبدان ثم إنهم عرفوه فقال بعضهم لا تعذبوه ولكن حلفوه بالله ليخبرنا بما له فإنه لا يكذب فاستحلفوه فأخبرهم بمتاعه حتى قال لهم علي خرقة فيها خمسة وعشرون دينارا رميناها في هذا البئر فما قدروا على إخراجها قال فما سلم له غيرها

قال ورأيت بخط ابن عبدان رأيت في المنام رب العزة تعالى وتقدست أسماؤه فقال لي كلاما يدل على أنه يخاف علي الافتخار بما أولانيه فقلت له أنا في نفسي أخس ووقع في ضميري أخس من الروث ثم قال لي أفضل ما يدعى به ‏{‏أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ‏}

مات ابن عبدان في صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

ومن الفوائد عنه

وقفت له على كتاب في العبادات مختصر سماه شرح العبادات رأيت به أصلا صحيحا قديما موقوفا بخزانة وقف ابن عروة في الجامع الأموي قال فيه ويقنت عندي في الوتر في جميع السنة

قلت وهو اختيار النووي ذكره في تحقيق المذهب

وعليه من أصحابنا هذا الرجل والزبيري وأبو الوليد النيسابوري وأبو منصور بن مهران نقله الأصحاب عن الأربعة وتوقف الوالد رحمه الله في اختياره قال لأنه ليس في حديث القنوت تصريح بأنه في جميع السنة

قلت وتقدم قريبا في ترجمة القفال فيه حكاية سنيته بالإجماع ووقفه عن اختياره

وفي شرح العبادات لابن عبدان ألفاظ يجب تأويلها واعتقاد أنه لم يرد ظاهرها

منها قوله في باب صلاة التطوع إن ركعتي الفجر مسنونة مؤكدة لا يجوز للمنفرد ولا الإمام ولا المأموم تركها بحال فقوله لا يجوز تركها يؤول للإجماع على أنها سنة وبقوله قبل ذلك إنها سنة وذكره إياها في التطوع

ووقع له مثله في باب صلاة التراويح فقال صلاة التراويح مسنونة لا يجوز تركها في المساجد غير أن هذا قد يمكن إجراؤه على ظاهره فلقائل أن يقول يجب على الإمام أو أئمة المساجد الإتيان بها لكونها من مصالح الدين وحينئذ لا يجوز تركها لكونها شعارا فتلحق بفرائض الكفايات أو السنن التي صارت شعارا فقوتل عليها تاركها على الخلاف فيها كصلاة العيد إذا اتفق أهل بلد على تركها

وذكر في أوائل هذا الكتاب في شرح الإيمان والإسلام عقيدة لا بأس بها عقيدة رجل أشعري على السنة

ومنها في أواخرها ولا يسوغ لأحد أن يقول إني مؤمن حقا حتى يقول إن شاء الله تعالى لأن عواقب المؤمنين غيب عنهم

انتهى

وفيه فائدتان التصريح بوجوب الاستثناء غير أنه قيد المسألة بمن يقول مؤمن حقا لا بمن يطلق مؤمن فليتأمل

والتصريح بأن الشك في الخاتمة وهو أحسن تأويل للقائل بالاستثناء وذكر فيه بعدما ذكر أن الشك في الكفر ولو بعد مائة سنة كفر ما نصه وكذلك لو تفكر وقال في نفسه أكفر أو لا فقد كفر

انتهى

وهذا التفكر إن كان شكا أو نية فقد سبقا في كلامه وإلا فأي شيء هو غير حديث النفس المتجاوز عنه أو هو صريح الإسلام والإيمان فليتأمل

433 عبد الله بن عبد الكريم بن هوازن يعرف بأبي سعد القشيري

أكبر أولاد الأستاذ أبي القاسم

كان إماما كبير جيد القريحة له النصيب الوافر والحفظ الجليل الجزيل من التصرف أصوليا نحويا

سمع أبا بكر الحيري وأبا سعيد الصيرفي وهذه الطبقة

وقدم بغداد مع والده فسمع من القاضي أبي الطيب وغيره

مولده سنة أربع عشرة وأربعمائة

وكان والده يعامله معاملة الأقران ويحترمه لما يراه عليه من الطريقة الصالحة

روى عنه ابن أخته عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي وقال كان رضيع أبيه في الطريقة وفخر ذويه وأهله على الحقيقة وأكبر أولاد زين الإسلام المذكور من لا ترى العيون مثله في الدهور ذو حظ وافر من العربية كان يذكر دروسا من الأصول والتفسير بعبارة مهذبة لا يتخطرف لسانه إلى لحن ولا يعثر لضعف في معرفته ووهن

وقد حصل الفقه وكانت المسائل على حفظه بأصولها ونكتها وبرع في علم الأصول بطبع سيال وخاطر إلى مواقع الإشكال ميال سباق إلى درك المعاني وقاف على المدارك والمباني

وأما علوم الحقائق فهو فيها يشق الشعر

ثم قال يصف مجلس وعظه وصار مجلسه روضة الحقائق والدقائق وكلماته محرقة الأكباد والقلوب ومواجيده مقطرة الدماء من الجفون مكان الدموع ومفطرة الصدور بالتخويف والتفزيع

انتهى

وقال ابن السمعاني كانت أوقاته ظاهرا مستغرقة في الطهارة والاحتياط ثم في الصلوات والمبالغة في وصل التكبير وباطنا في مراقة الحق ومشاهدة أحكام الغيب لا يخلو وقته عن تنفس الصعداء وتذكر البرحاء وترنم بكلام منظوم أو منثور يتذكر وقتا مضى

انتهى

توفي في ذي القعدة سنة سبع وسبعين وأربعمائة قبل أمة السيدة فاطمة بنت الدقاق بأربع سنين

والله أعلم

434 عبد الله بن علي بن إسحاق أخو الوزير نظام الملك أبو القاسم

من أهل طوس

دخل نيسابور في شبابه لطلب العلم وحضور مجالس الحديث واستوطنها إلى حين وفاته

وكان عفيفا نزها كثير فعل الخير مواظبا على قراءة القرآن غير مداخل لأخيه في شيء من أمور السلطان

سمع أبا حسان المزكي وأبا عثمان الصابوني وأبا حفص بن مسرور وناصرا العمري وعبد الغافر بن محمد الفارسي والأستاذ أبا القاسم القشيري وغيرهم

روى عنه جماعة

ولد سنة أربع عشرة وأربعمائة ومات في سنة تسع وتسعين وأربعمائة

435 عبد الله بن علي بن عوف أبو محمد السني

من أهل السن بكسر السين المهملة

تفقه على القاضي أبي الطيب وكان يحضر درس أبي أسحاق الشيرازي إلى حين وفاته

وقد ناهز الثمانين وسمع أبا علي بن شاذان وغيره وحدث بيسير وهو الذي يقول له القاضي أبو الطيب وقد استعار منه شيئا

يا أيها الشيخ الجليل السني ** اردد علي ما استعرت مني

توفي سنة خمس وستين وأربعمائة

436 عبد الله بن علي بن محمد بن علي أبو القاسم البحاثي القاضي

قال عب الغافر من عيون الفقهاء وأرباب الفتوى حافظ للمذهب من تلامذة أبي محمد الجويني ومن بيت العلم والحديث بناحية زوزن

والله أعلم

437 عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أسد بن إدريس الرازي أبو القاسم

كان بمصر قال ابن الصلاح ووقع في بعض المواضع عبد الله بن محمد بن أسد وفي بعضها عبد الله بن محمد بن إدريس قال وذلك اختصار لما ذكرناه

روى عن ابن أبي حاتم

روى عنه المقري أبو عمر الطلمنكي

438 عبد الله بن محمد بن سالم

قال المطري أخذ الفقه عن أبيه وولد في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة ومات بذي أشرق سنة سبع وتسعين وأربعمائة

439 عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد أبو محمد الأصفهاني

المعروف بابن اللبان

قال فيه الخطيب أحد أوعية العلم وأهل الدين والفضل

سمع بأصبهان أبا بكر المقري وغيره وببغداد أبا طاهر المخلص وبمكة أبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس وتفقه على الشيخ أبي حامد ودرس على القاضي أبي بكر الأصلين وحدث وسمع منه الخطيب

قال وكان من أحسن الناس تلاوة للقرآن ومن أوجز الناس عبارة في المناظرة مع تدين جميل وعبادة كثيرة وورع بين وتقشف ظاهر وحسن خلق وسمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين

وله كتب كثيرة مصنفة

وقد أدرك ابن اللبان شهر رمضان من سنة سبع وعشرين وأربعمائة وهو ببغداد فصلى بالناس صلاة التراويح في جميع الشهر وكان إذا فرغ من صلاته بالناس في كل ليلة لا يزال قائما في المسجد يصلي حتى يطلع الفجر فإذا صلى دارس أصحابه

قال وسمعته يقول لم أضع جنبي للنوم في هذا الشهر ليلا ولا نهارا وكان ورده كل ليلة فيما يصلي لنفسه سبعا من القرآن يقرأه بترتيل وتمهل

مات بأصبهان في جمادى الآخرة من سنة ست وأربعين وأربعمائة